Advertisement

لبنان

تسليم السلاح الفلسطيني في المخيّمات: خطوة سيادية أم فخ سياسي؟

حسين خليفة - Houssein Khalifa

|
Lebanon 24
22-08-2025 | 05:00
A-
A+
Doc-P-1407679-638914530667914695.jpeg
Doc-P-1407679-638914530667914695.jpeg photos 0
facebook
facebook
facebook
telegram
Messenger
Messenger
A+
A-
facebook
facebook
facebook
telegram
Messenger
Messenger
 
مع الإعلان عن بدء عملية تسليم السلاح الفلسطيني في مخيم برج البراجنة، عبر وضع الدفعة الأولى منه في عهدة الجيش ، وذلك بعد أشهر من "التجميد" عقب زيارة الرئيس محمود عباس إلى لبنان، التي كان يُفترض أن تفتح الباب أمام العملية، بدا وكأنّ الدولة اللبنانية تفتح الباب أمام مشهد جديد عنوانه تعزيز سلطتها داخل المخيمات، رغم ضبابيّة المواقف التي توزّعت ما بين احتفاء رسمي وحذر فلسطيني وتحفّظ فصائلي.
Advertisement
 
وعلى الرغم من محاولة البعض تصوير الخطوة الأولى على أنّها "شكلية"، في سياق بعض الروايات المتناقلة حول طبيعة السلاح المسلّم، فإنّ الثابت أنّ ما جرى لا يمكن أن يُصنَّف مجرّد إجراء رمزي، مع ما ينطوي عليه من رسالة سياسية بامتياز، تتناغم مع محاولة الدولة اللبنانية القول إن الجيش هو الجهة الوحيدة المخوّلة إدارة السلاح على أراضيها، بما في ذلك المخيمات الفلسطينية التي لطالما شكّلت نقطة توتّر أمني وسياسي.
 
وإذا كانت الدولة تكرّس من خلال ذلك مبدأ "حصر السلاح بيد الدولة"، الذي تريده أن يشمل سلاح "حزب الله" في مرحلة لاحقة، فإنّ هناك من يرى أن الخطوة تبقى "منقوصة"، خصوصًا مع مسارعة بعض الفصائل الفلسطينية إلى النأي بنفسها عن الأمر، وحصره بحركة "فتح" فقط لا غير، في محاولة لرسم خط فاصل بين ما تعتبره سلاحًا مشروعًا في مواجهة إسرائيل وبين السلاح الذي يتحوّل إلى عبء داخل المخيمات.
 
ما وراء المشهد
يمكن النظر إلى ما جرى كخطوة مزدوجة المعنى، تجمع بين البُعد السيادي اللبناني والهاجس الفلسطيني. فمن جهة، تسعى بيروت إلى تعزيز هيبتها السيادية وتأكيد قدرتها على الإمساك بملف المخيمات، وهو ملف طالما عُدّ معقدًا ومتفلّتًا، بحيث تحوّل إلى ما يشبه "الدولة داخل الدولة". وبالتالي، فإن نجاح الخطوة الأولى يمنح الحكومة والجيش نقاطًا إضافية في معركة استعادة الثقة الخارجية قبل الداخلية، والقول إنّ "حصرية السلاح" على الطريق لتصبح واقعًا.
 
من جهة ثانية، تنظر الفصائل الفلسطينية إلى المسار بقدر كبير من الحذر. فهي تدرك أن أي عملية نزع سلاح قد تضعف موقعها التفاوضي في الداخل اللبناني، وتحدّ من حضورها الأمني والسياسي الذي شكّل على مدى عقود عنصر توازن داخل المشهد الفلسطيني – اللبناني. ولعلّ القلق الأبرز لدى هذه الفصائل يكمن في إمكانية أن يتحوّل التسليم إلى مسار شامل، وهو ما قد يُقرأ كاستهداف لجوهر هويتها النضالية، ولو حصد "مباركة" السلطة الفلسطينية.
 
لكن، أبعد من هذه القراءة، تكتسب الخطوة أبعادًا إضافية من خلال توقيتها. فهي تأتي في ظل مرحلة إقليمية ضاغطة، حيث تُعاد صياغة أولويات المنطقة بعد حروب "طوفان الأقصى"، من غزة إلى لبنان، وسط ضغوط دولية متزايدة لسحب سلاح "حماس" و"حزب الله" على حد سواء، ضمن ما يُسمى بـ"اليوم التالي". هنا، يرى البعض أنّ تجربة برج البراجنة ليست معزولة، بل قد تكون مدخلًا لاختبار إمكانية تطبيق النموذج نفسه على ملفات أكثر حساسية، ما يرفع منسوب التوجّس الفلسطيني واللبناني معًا.
 
بين الانضباط والانفجار
أمام المشهد الراهن، يمكن رسم أكثر من سيناريو لمسار التطورات، فإذا استمر التسليم الطوعي وتحوّل إلى نموذج قابل للتعميم، فإن ذلك سيُسهم في نزع فتيل التوترات داخل المخيمات، ويشكّل سابقة تعزز الثقة بين الدولة اللبنانية والفصائل. كما أنّ نجاح التجربة قد يفتح الباب أمام تفاهمات أشمل تُعيد صياغة العلاقة على قاعدة الشراكة بدل الصدام، وتمنح الجيش دورًا أكثر وضوحًا كضامن وحيد للاستقرار. وفي حال تحقق هذا السيناريو، ستكسب الحكومة نقاطًا ثمينة لتقديم نفسها أمام الخارج كشريك موثوق قادر على إدارة الملفات المعقّدة، ما يعزّز موقعها في أي مفاوضات داخلية أو إقليمية.
 
في المقابل، يخشى البعض من أن تؤدي أي انتكاسة في المرحلة المقبلة، سواء بسبب تعقيدات التنسيق أو اعتراض بعض الفصائل على المضي قدمًا، إلى إعادة إنتاج دوامة الاشتباكات التي شهدتها المخيمات سابقًا، من بوابة السجال حول "سحب السلاح". الأخطر أن ذلك قد يثير هواجس مزدوجة: الأولى لدى الفلسطينيين الذين قد يرون في الخطوة محاولة لإضعافهم سياسيًا وأمنيًا، والثانية لدى اللبنانيين الذين يخشون عودة المخيمات إلى بؤر تفلّت تهدد الأمن الداخلي.
 
وفي وقتٍ ثمّة من يخشى من تحوّل ملف السلاح الفلسطيني مجدّدًا إلى ورقة تجاذب بين القوى اللبنانية نفسها، في لحظة داخلية مأزومة أصلًا، يرى آخرون أنّ ما بدأ في برج البراجنة قد يتحوّل إلى اختبار شامل للدولة اللبنانية والفصائل الفلسطينية على السواء. فاللبنانيون ينظرون إلى الخطوة باعتبارها محاولة لاستعادة سيادة طال انتظارها، فيما ينقسم الفلسطينيون في مقاربة الخطوة، انقسام عبّرت عنه الفصائل بوضوح حين أكدت أن "سلاحنا لم ولن يكون إلا سلاحًا مرتبطًا بحق العودة وبالقضية الفلسطينية العادلة، وهو باقٍ ما بقي الاحتلال جاثمًا على أرض فلسطين".
 
يرى كثيرون أنّ ما جرى في برج البراجنة قد لا يكون سوى "بروفا" أولية، ليس على مستوى السلاح الفلسطيني وحده، بل أيضًا على مستوى مقاربة الدولة اللبنانية لملف سلاح "حزب الله"، الذي يُطرح للمرة الأولى منذ عقود بهذا الشكل العلني. فهل تنجح الدولة في العبور من "امتحان المخيمات" إلى "امتحان الحزب"، أم أنّ التجربة ستسقط عند أول اختبار جدي، لتعيد الجميع إلى المربّع الأول؟!
مواضيع ذات صلة
تابع
Advertisement

أخبارنا عبر بريدك الالكتروني

إشترك

حسين خليفة - Houssein Khalifa