رأى مفتي محافظة
بعلبك الهرمل الشيخ بكر الرفاعي أن "الفتنة حين تنشب بين الناس تبتلع الحق والباطل معا، فلا يخرج منها منتصر حقيقي، بل يكون الخاسر الأكبر هو وحدة الأمة وقوتها. وهي في أصلها تبدأ بكلمة أو موقف متسرع، ثم تتوسع حتى تضعف الصفوف وتفتح الطريق أمام الأعداء ليستفيدوا من خلافاتنا".
ولفت في خطبة الجمعة، إلى ان "من أخطر ما يغذي الفتن في المجتمعات أن تتحول الخلافات السياسية إلى إساءات علنية تطال رموزا في مواقع المسؤولية، فيهان المقام بدل أن يحترم، ويستهدف الشخص بدل أن تُناقش السياسات. الواجب أن نترفع عن هذا الأسلوب، فنصون ألسنتنا عن التجريح، ونحفظ مكانة المواقع العامة مهما اختلفنا مع شاغليها، لأن الكلمة إذا تحولت إلى أداة تشويه فإنها لا تُصلح واقعًا بل تفتح أبواب أحقاد وانقسامات يستفيد منها أعداء الداخل والخارج".
وقال: "الحمد لله الذي بارك
المسجد الأقصى وما حوله. إن العزة لا تكون إلا ببيت المقدس، وأن تحريره واجب الأمة إلى يوم الدين. فمَن للأقصى اليوم؟ ومن للمستضعفين في غزة وفلسطين؟".
وتابع: "إن القائد نور الدين زنكي صنع منبراً بديعاً ونذر أن يخطب عليه في المسجد الأقصى بعد تحريره، غير أن الأجل لم يمهله، فكان لتلميذه صلاح الدين أن يحقق الحلم، فدخل الأقصى فاتحاً، ونُقل المنبر من حلب إلى
القدس بعد تسعين عاماً من الغياب. خطب صلاح الدين على ذلك المنبر وأعلن أن البلاد لا تُفتح بالسيوف فقط بل بعلم العلماء وصدق الدعاة".
وأضاف: "في عام 1969 أضرم المجرم مايكل روهان النار في المصلى القبلي، فأتى على سقفه وزخارفه ومصاحفه، وأحرق منبر نور الدين وصلاح الدين، كل ذلك بتدبير
الاحتلال الذي قطع الماء عن الأقصى وأعاق سيارات الإطفاء، فاشتعلت النيران أمام أعين العالم. وما زال الحريق مستمراً! فالنار التي أحرقت المنبر لم تنطفئ إلى اليوم، لكنها تتجدد في صورة اقتحامات متكررة، وحفريات خطيرة، واعتقالات وإبعادات، وهدم للبيوت، وتشريد لأهالي القدس. وها هو حريق آخر أعظم يلتهم غزة منذ قرابة العامين، يقتل أهلها ويجوّعهم ويدمر بيوتهم في ظل صمت دولي وتواطؤ عالمي".
ولفت إلى أن"واجبنا تجاه المسجد الأقصى بالوعي الدائم وعدم الانشغال عن قضيته، وثانياً بدعم أهله بالمال والصدقات والوقف، وثالثاً بمؤازرة المرابطين المجاهدين هناك بكل وسيلة، ورابعاً بالدعاء الصادق الدائم أن يفرج الله كربه ويحرره من دنس المعتدين. وكل واحد منا مسؤول أن يسأل نفسه: ما الذي قدّمته لبيت المقدس؟ فالأقصى أمانة في أعناقنا جميعاً".
وأردف: "كونوا جزءاً من قافلة التحرير ولو بكلمة أو دعاء أو دعم. إن الأقصى يناديكم، وإن حريقه لم ولن يُطفأ إلا بدماء
الشهداء وصبر المجاهدين وثبات المؤمنين. نسأل الله أن يكتب لنا ولكم شرف الصلاة فيه محرراً، وأن يجعلنا من جنده الصادقين، وما ذلك
على الله بعزيز".
واعتبر أن "
الرحمة قوة وليست ضعفاً، فهي التي تملك القلوب وتُصلح النفوس وتزرع الطمأنينة. حين نتعامل بالرحمة نصنع مجتمعاً متماسكاً، لا يشعر فيه فقير بالذل ولا ضعيف بالخذلان، بل يجد الجميع مكاناً آمناً بينهم".
وأشار إلى أن"من صور الرحمة البسيطة التي لا تحتاج جهداً: ابتسامة في وجه أخيك، كلمة طيبة، تفريج كربة، إطعام جائع أو سقي عطشان، بل وحتى الرفق بالحيوان والبيئة. كلها أعمال قد تكون صغيرة في أعين الناس، لكنها عند الله عظيمة"، مؤكدا بأن "الرحمة لا تتوقف عند دائرة الأهل والأصدقاء، بل تمتد إلى الغرباء والخصوم، لأنها تعكس صفاء القلب ونقاء السريرة. الرحمة الحقيقية لا تنتظر مقابلاً، ولا تبحث عن مصلحة، إنما تنبع من شعور صادق بإنسانية الآخر".
وختم الرفاعي: "ما أحوجنا اليوم أن نعيد إحياء الرحمة في بيوتنا وأحيائنا ومجتمعاتنا، أن نتعامل بها في مدارسنا وأسواقنا ومؤسساتنا، فهي ليست شعاراً يُرفع، بل منهج حياة يجعل الأرض أكثر أماناً، والقلوب أكثر قرباً، والطريق إلى الجنة أقرب".