رغم الأزمات الاقتصادية المتفاقمة وغياب السياسات الزراعية المستدامة، لا يزال موسم التفاح يحضر كل عام كاختبار حقيقي لقدرة هذا القطاع على الصمود.
في المقابل يشهد القطاع المائي في
لبنان أزمة حادّة ومتفاقمة، تعود جذورها إلى عقودٍ من الإهمال وسوء الإدارة .هذا الإهمال أدّى إلى تراجعٍ حادٍ في كميات المياه المتوافرة، وتلوث مصادرها، وهدر هائل ما جعل المياه النظيفة سلعةً نادرةً في بلدِ لطالما كان غنيًا بمصادر المياه الطبيعية.
وكتبت ماريا عندس في"الديار": انعكس هذا الانهيار بشكلٍ خطرٍ على الزراعة، أحد أبرز القطاعات الاقتصادية في لبنان. فالمزارعون يعانون من شحّ المياه لريّ محاصيلهم، ما أدّى إلى تراجع الإنتاج الزراعي، زيادة الكلفة، وتهديد الأمن الغذائي الوطني.
الحلّ لا يكون إلا عبر خطة وطنية شاملة ترتكز على: إدارة مستدامة للموارد المائية، إصلاح البنية التحتية، تفعيل الرقابة، وتطوير تقنيات الري الحديثة. فبدون تدخل عاجل وجاد، تتحول أزمة المياه في لبنان إلى كارثة وجودية تهدد الحياة والاقتصاد معًا.
وفي هذا السياق، يؤكد رئيس تجمّع المزارعين في
البقاع ابراهيم الترشيشي،انه" وبدون شكّ انحباس الأمطار هذا العام، خفّف تجمع المياه في الينابيع، الآبار الاورتوازية والأنهار، ولمسنا هذا الشح سيّما في "مياه الشفّة"، ما أوصلنا إلى ظاهرة الصهاريج التي أصبحت سيّدة الموقف".
الترشيشي حمّل الدّولة المسؤولية جزئيًا وقال:" الموضوع أيضًا ربّانيًا لأنّ قلّة الأمطار تعتبر مشكلة بيئية واجهتنا كلّنا ولكن على الدولة تنفيذ خطط خماسية أو غير، لتستغل كل الثروة المائية التي كانت موجودة في لبنان، لكنها للأسف لم تستغلها كما يجب".
وأكد "أنه كان من المفروض أن تُقام السّدود لحلّ هذه المشكلة قليلًا، وللأسف الحجج كانت تصبّ للمصالح الخاصة فقط".
وقال:"جزء كبير من مياه الأمطار والأنهار كانت تصبّ في البحر في أيام الشتاء، ومن هنا التقصير الكبير من الدّولة، بدل أن نولّد الكهرباء من رزقنا، هدرنا ما لدينا من نِعم، مثل نهر ابراهيم مثلًا ".
ولفت إلى أنّ "هذا العام لم تمطر 30% ممّا كانت يجب أن تمطره في السنوات الماضية". والحلول طبعًا تبدأ ببناء برك وسدود ومجار صحّيّة".
أزمة المياه لم تعد نقصًا في الموارد، بل تحولت إلى تهديدٍ مباشرٍ لصحة الإنسان والحياة الزراعية بسبب الاستخدام العشوائي للمياه الملوثة وغياب أي رقابة. والمعلومات أكّدت أنّ أكثر من 130 ألف بئر ارتوازية تُستخدم للتخلص من مياه الصرف الصحي، بحسب الخبراء، إلى جانب أكثر من 7 آلاف مصدر تلوث تصبّ في نهر الليطاني وحده، وهو النهر الأطول والأكبر في لبنان، وينبع من غرب بعلبك في سهل البقاع ويصب في البحر المتوسط شمال مدينة صور.
ورغم أنّ البقاع تُعد من أكثر المناطق تأثرًا بشح المياه بسبب طبيعتها الزراعية واعتمادها الكبير على الري، فإن أزمة المياه تمتد اليوم إلى معظم المناطق
اللبنانية. من
بيروت التي تواجه انقطاعات طويلة بسبب ضعف البنية التحتية، إلى الجنوب حيث تراجعت الينابيع بفعل الجفاف، والشمال الذي يعاني من تلوّث المصادر وغياب محطات المعالجة. هذا الشح ليس نتيجة نقص في الموارد فقط، بل هو انعكاس لعقود من الإهمال وسوء التخطيط على مستوى الدولة، ما جعل المياه أزمة وطنية لا تميّز بين منطقة وأخرى.
وكتبت غايبل بطيش في" نداء الوطن":ففي بلد يتراجع فيه كل شيء تقريبًا، يبقى التفاح واحدًا من القلائل الذين ما زالوا يُثمرون بصمت.
وبين أيدٍ تصارع الطبيعة والسوق والدولة الغائبة، تنضج الحبة الحمراء كأنها تقول: ما زال في الأرض ما يستحق الزراعة، وما زال في لبنان ما يستحق البقاء.
وفي حديث ل "نداء الوطن"، أشار
رئيس الاتحاد الوطني للفلاحين في لبنان، إبراهيم ترشيشي، إلى أن موسم التفاح لهذا العام يُعتبر مقبولًا بشكل عام، وأن الأسعار تبشر بالخير، نظرًا لتراجع الكميات المتوفرة محليًا وعالميًا.
وأوضح أن هذا الانخفاض في الإنتاج يعود إلى التغيرات المناخية التي أثّرت على لبنان كما على باقي دول العالم.
ولفت ترشيشي إلى أن موجة الحر التي ضربت البلاد أثّرت سلبًا على موسم التفاح، كما أثّرت على مختلف المواسم الزراعية الأخرى.
وأوضح أن هذه الموجة، رغم قصر مدتها، قلّصت من جودة الإنتاج، مشيرًا إلى أن درجات الحرارة تخطّت 45 درجة مئوية، ما أثّر على المرتبة التي كان يُتوقع أن يحتلها التفاح اللبناني هذا الموسم. ومع ذلك، طمأن أن المياه لا تزال متوفرة للري، رغم معاناة المزارعين في تأمينها.
وفي ما يتعلق بتصريف الإنتاج محليًا، لفت ترشيشي إلى وجود بعض المضاربات في السوق، مشيرًا إلى أن بعض التجار استغلوا الإجازات الممنوحة لاستيراد التفاح الأجنبي، وقاموا بإدخاله بطرق غير قانونية، خصوصًا عبر الحدود
السورية، ومن دون دفع الرسوم الجمركية.
وأكد أن وزارة الزراعة كانت بالمرصاد لهذه التجاوزات، وتعهدت بوقف منح إجازات لاستيراد التفاح نهائيًا، وهو ما يُعد خطوة إيجابية تحافظ على السوق المحلي للتفاح اللبناني.
أما على صعيد التصدير، فقال ترشيشي أن المنافسة لا تزال قائمة، رغم أن لبنان يحتفظ بأفضلية في بعض الأسواق، لا سيما السوق المصري الذي يُعتبر من أبرز وجهات التصدير.
وأشار إلى أن لبنان يُنتج سنويًا بين 100 و125 ألف طن من التفاح، يستهلك منها السوق المحلي حوالي 20 إلى 25 ألف طن، ما يعني أن هناك حاجة لتصدير ما لا يقل عن 100 ألف طن سنويًا، تبدأ عملية تصديرها من شهر
تموز وحتى شباط أو آذار من العام التالي.
وعن سبل تحسين جودة التفاح اللبناني، أكد ترشيشي أن المزارعين أدخلوا شتولاً جديدة، وزرعوا أصنافًا محسّنة من التفاح، ما ساهم في تطوير جودة الإنتاج. ولفت إلى أن التفاح اللبناني لا يزال يُعتبر من أجود أنواع التفاح في الشرق، خصوصاً بفضل الفارق الكبير في درجات الحرارة بين النهار والليل، ما يمنحه لونًا مميزًا ونكهة حلوة، خصوصًا الأصناف ذات اللون الأحمر الداكن.
وفي ختام حديثه، أعرب ترشيشي عن أسفه لأن الدولة، بسبب وضعها المالي، لم تعد قادرة على لعب دورها الكامل في دعم القطاع الزراعي. وقال إنه لو كانت الدولة في وضع أفضل، لكانت قادرة على دعم المزارعين والمصدّرين من خلال المشاركة في المعارض الدولية، وإعادة تفعيل دعم التصدير، وفتح قنوات تفاوض مع الدول المستوردة لإزالة العوائق، وتسهيل عمليات التصدير، ما يخفف عن المصدرين ويعزز موقع التفاح اللبناني في الأسواق الخارجية.