لم يكن عنوان ترسيم الحدود بين
لبنان وسوريا متداولاً على امتداد السنوات الماضية، إلا من زاوية وضع حدٍ للتهريب على أنواعه عبر عشرات الممرات غير الشرعية، لكنه عاد إلى الواجهة وبإرادة وزخم لبنانيين خلال الاشهر الماضية، على خلفية تحصين هذه الحدود ومنع أي تسربٍ لعناصر من تنظيمات ٍإرهابية أو عصابات مسلحة أو مهربين، خصوصاً بعد تسجيل عدة حوادث أمنية واشتباكات بين مسلحين على جانبي هذه الحدود.
وكتبت هيام عيد في" الديار": يأتي موضوع الترسيم في الورقة الأميركية مجدداً ليُطرح بين
بيروت ودمشق، ويناقشه الموفد الرئاسي الأميركي توم براك مع البلدين، تمهيداً لإنجاز الخطوات التنفيذية الضرورية لذلك، وإن كان التواصل السوري - اللبناني المباشر لم يتحقق بعد على هذا الصعيد، وما زالت بيروت تنتظر الجواب السوري على هذه الورقة. وتؤكد مصادر ديبلوماسية مطلعة لـ "الديار"، أن ملف الحدود كان قد تمّ بحثه خلال زيارة رئيس الجمهورية جوزاف عون الأخيرة
إلى باريس، في ضوء تأكيد كل من بيروت ودمشق قي حينه، وعبر بيانات صدرت من الطرفين، على أهمية ترسيم الحدود التي تمتد على مسافة 360 كيلومتراً، وتتداخل في مناطق عديدة وعلى مسافة 50 كيلومتراً، ولا تزال موضع خلاف إلى اليوم بين الأهالي في القرى التي يقع جزء منها في
سوريا والجزء الآخر في لبنان..
وتعتبر هذه المصادر أن طرح الترسيم مجدداً في ورقة برّاك، يهدف إلى إقفال هذا الملف، إنما من دون أن يعني ذلك أن إنجاز مثل هذه الخطوة، ممكن وسهل في فترة زمنية قصيرة، حيث ان التطبيق العملي، وفق خبراء عسكريين، يستلزم مساراً يبدأ بخطوات ميدانية ويحظى بغطاء سياسي، وذلك من أجل أن يحقق الاستقرار على جانبي الحدود بين البلدين أولاً وإقفال كل ممرات التهريب والتي لا يزال بعضها يشهد عشرات عمليات تهريب السلع والممنوعات ثانياً، ولإنهاء الصراع الحدودي الذي يعود إلى العام 1943 ثالثاً. ومن المعلوم أن لبنان الرسمي قد
بادر إلى بحث ملف ترسيم الحدود مع سوريا في العام 2010، إنما من دون أن تصل هذه العملية إلى أي نتائج عملية بنتيجة الاعتبارات السياسية والأمنية في تلك المرحلة. وهنا، تكشف المصادر عن دورٍ فرنسي يترافق مع دور
سعودي إلى جانب الدور الأميركي، رغم أن دمشق لم تبلغ إلى اليوم ردها على الورقة الأميركية التي أقرتها الحكومة
اللبنانية منذ أسبوعين. وبحسب الخبراء، فإن الخطوات التنفيذية تبدأ عبر تشكيل لجان فنية مشتركة تعمل على حل الإشكالات من خلال درس الخرائط وعرض ملكية الأراضي في القرى المتداخلة، وذلك من أجل تحديد الخطوط بشكل واضح وفقاً للوثائق التاريخية والتي لا يزال جزء منها موجوداً لدى
فرنسا، والتي تقوم بالتعاون مع لبنان وسوريا على مقاربة ملف الترسيم في الوقت الحالي، ومن خلال تضمين هذا الموضوع للورقة الأميركية.
ورداً على سؤال حول توقيت ملف الترسيم، تجزم المصادر الديبلوماسية بأولوية وأهمية هذا الملف، إلاّ أنها ترى أن التوقيت يأتي في ضوء المستجدات الأمنية الحدودية وضرورات تطبيق القرار 1701 وبعد تغيير النظام في سوريا وانطلاق دينامية ديبلوماسية فرنسية وبالتنسيق مع
الولايات المتحدة الأميركية، قادرة على توفير الأرضية المشتركة.
وبناءً على ما تقدم، تستنج المصادر الديبلوماسية أن توافر الإرادتين السياسيتين اللبنانية والسورية، سيؤدي إلى وضع روزنامة لبدء عملية الترسيم والتي تضعها المصادر في سياق بالغ الأهمية، كونها لا تنفصل عن مسار تطبيق اتفاق وقف النار والقرار 1701، وستفتح صفحةً جديدة من العلاقات بين البلدين وستشكل محطةً إيجابية في مسار تذليل الخلافات في ملفات عديدة أبزها ملف النازحين السوريين في لبنان وملفات أخرى ذات طابع سياسي وأمني ومالي واقتصادي.