إن لم يعد كل من توم برّاك ومورغان اورتاغوس إلى
بيروت غدًا الاثنين حاملين معهما من تل أبيب ما يوازي ما قدّمه
لبنان من خطوات كان يجب أن يقوم بها منذ اليوم الأول لتشكيل الحكومة فإن الدخول في المحظور يصبح واقعًا لا مفرّ منه على رغم المحاولات، التي يقوم بها رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون مع "
حزب الله" عبر موفديه محمد عبيد واندريه رحال، لإقناع القيادة الحزبية في "حارة حريك" بضرورة عدم التعاطي مع ما تقرّر في جلسة الخامس من آب الجاري بطريقة سلبية.
الأجواء التي عاد بها موفدا رئيس الجمهورية توحي بأن لا شيء يطمئن إلى أن "حزب الله" قادر في الوقت الحاضر على تخطّي ما يُرسم له في طهران، إضافة إلى أن ما بناه من "أمجاد" على مدى أربع وأربعين سنة لن يتنازل عنه بهذه السهولة والبساطة بين ليلة وضحاها. فالموقف الـ "بين بين"، الذي نقله عبيد ورحال إلى
الرئيس عون لا يشجّع كثيرًا على الذهاب بموجات التفاؤل مسافات بعيدة، خصوصًا أن ما رافق "همروجة" جمع السلاح من المخيمات
الفلسطينية قد أعادت البحث في هذا الملف إلى مربعه الأول.
وتأتي هذه الاتصالات قبل عشرة أيام من الموعد المفترض لانعقاد جلسة
مجلس الوزراء وتسلّم خطة الجيش المتضمّنة رؤيته والآلية لحصر السلاح، في محاولة لرأب الصدع والتنسيق للتوصل الى مخرج للأزمة السياسية والحكومية والوطنية قبل الجلسة الحكومية المقبلة مطلع أيلول.
ووفق المعلومات المتوافرة، على رغم التكتم الشديد عمّا دار بين رحال ورئيس كتلة "الوفاء للمقاومة" النائب محمد رعد، فإنّه تمّ ابلاغ الموفد الرئاسي تمسك "حزب الله" بموقفه الرافض لقرارات الحكومة الأخيرة وضرورة تصحيح الخطأ قبل أيّ نقاش أو حوار بالنسبة إلى المرحلة المقبلة، وأن لا نقاش بمصير السلاح قبل تحقيق الانسحاب الإسرائيلي ووقف الاعتداءات والاغتيالات واستعادة الأسرى وعودة
النازحين الجنوبيين والحصول على ضمانات بإعادة الإعمار.
وبناء عليه يمكن القول بأن لا مؤشرات حتى الساعة عن إمكان التوصل إلى أي تسوية أو صيغة وسطية للحل، إذ ان "حزب الله" مصرّ على اقفال الباب أمام المبادرات الرئاسية.
من حيث المبدأ يصعب القول إن القرار الحكومي لم يأتِ في موقعه الطبيعي. وهذا ما أيدّته أغلبية اللبنانيين. فلا أحد يريد أن يكون على الساحة الأمنية سوى السلاح الشرعي، وأن أي سلاح آخر، سواء أكانت هويته لبنانية أو فلسطينية أو أي هوية أخرى، لم يعد له محّلًا في الاعراب اللبناني بمفهومه السيادي البحت.
ولكن ما لا يمكن تقّبله من الناحية السياسية أن يأتي هذا القرار من دون أن تسبقه مقدّمات، أي بمعنى أن قرارًا بهذه الأهمية الوطنية كان على الدافعين إليه القيام بالتواصل مع القيادة السياسية لـ "حزب الله"، وهي المعنية الأولى والأخيرة بهذا الملف، باعتبار أن "الحزب" هو الجهة الوحيدة الذي يمتلك سلاحًا خارج إطار الشرعية
اللبنانية.
فلو أجريت هذه الاتصالات قبل اتخاذ هذا القرار، الذي وصف بأنه تاريخي، لربما أتت ردود الفعل الحزبية أقّل حدّة وأقّل تشنجًا. ولما كان كل هذا الرفض غير المبرّر كما يراه جميع الذين يؤيدّون هذا القرار.
وكما يقول معظم السياسيين المخضرمين فإن اتخاذ القرار، أيًّا يكن نوعه وأيًّا تكن أهميته، هو من الأساسيات في انتظام العمل المؤسساتي. ولكن ما هو أهمّ من اتخاذ القرار هو اولًا النظر إلى الموضوع من كافة جوانبه لكي يأتي التنفيذ خاليًا من أي شائبة، وثانيًا على الذين يتخذون قرارات جريئة أن يتوقعوا مسبقًا ردود الفعل عليها، خصوصًا أن التجارب الماضية أثبتت أن أي قرار يؤخذ من دون اشباعه درسًا وتمحيصًا يبقي حبرًا على ورق، أو كما قيل في السابق بالنسبة إلى "إعلان
بعبدا" عن نأي لبنان بنفسه عن حوادث وأحداث المنطقة "بلّوه واشربوا من ميتو"، على رغم أن جميع القوى السياسية قد وافقت على هذا الإعلان في أحدى جلسات طاولات الحوار، التي عُقدت في بعبدا برئاسة الرئيس ميشال سليمان.