في عالمٍ يركض نحو السرعة والتكنولوجيا، تبقى مواسم الحصاد لحظات خاصة تستوقف الزمن، وتعيد الإنسان إلى جذوره الأولى. وبينما يمضي البعض عطلتهم على الشواطئ، هناك من يبدأ يومه عند
شروق الشمس، ليقطف ثمار التين والعنب بيديه، ويحمّلها في سلال مغموسة بعرق التعب ورضى الأرض.
في
عكار، كان المزارع
أبو حسن يتجوّل بين أشجار التين المتناثرة، يتفحّص الثمار بيدٍ خبيرة وعينٍ ممتنّة.
وأشار أبو حسن الى "أن شجرة التين كالأمّ، إن اعتنيت بها، أغدقت عليك بكرمها، وإن أهملتها، جفّ عطاؤها. هذا الموسم جيّد، لكنه ليس كأيام زمان".
وقال "إن أزرع التين والعنب منذ شبابي. ما من عام يمرّ دون أن أنتظر هذا الموسم بفارغ الصبر. فهما ليسا مجرد رزق، بل جزء من ذاكرتي وأيامي".
وعن التغييرات التي طرأت، أجاب "تغيّر كل شيء: الطقس، الناس، والمواسم. لم يعد الأبناء يرغبون بالعمل في الأرض، لكنني لم أفكر يومًا بتركها. هي مصدر راحتي".
وفي السوق الشعبي، كان
أبو خالد ينظم سلال التين والعنب. وأكد "أن الإقبال لا بأس به، لكن الظروف الاقتصادية أثّرت على الجميع. الناس ما زالوا يحبّون هذه الثمار، ولكنّهم يشترون بكميات أقل".
وأفاد "بأن في الماضي، كانت العائلات تشتري التين والعنب بكثرة، لتأكل، ولتجفّف، ولتخزّن. أما اليوم، فالشراء بالكاد يكفي لوجبة. ومع ذلك، تبقى لهذه الفواكه مكانة خاصة في قلوب الناس".
ما بين أيادي المزارع في الحقول، وصوت البائع في الأسواق، تبقى حكاية التين والعنب حيةً كل عام. ليست ثمارهما مجرّد فاكهة موسمية، بل رموز للبساطة، والرزق، والارتباط العميق بين الإنسان وأرضه. وبينما يتغيّر العالم من حولنا، يظلّ هذا الموسم قصيدة قصيرة تنشدها الطبيعة كل عام.