في الفترة الأخيرة شهد
لبنان توتراً لافتاً عقب القرارات الحكومية المرتبطة بملف سلاح "
حزب الله"، وهو توتر بدا وكأنه على وشك الانفجار في الشارع بعدما دعا
الثنائي، حزب الله وحركة أمل، إلى تحرّك شعبي يوم غد الأربعاء.
صيغة البيان الذي أصدره" الثنائي
الشيعي" حملت إشارات سياسية واضحة، إذ بدا أن الغاية منه لم تكن مجرد
التعبير عن موقف، بل إرسال رسالة قوية للداخل والخارج مفادها أن الشارع يمكن أن يُستنهض في أي لحظة.
غير أنّ المشهد تغيّر سريعاً بعدما أعلن "الثنائي" عن إلغاء التحرّك أو تعليقه، وهو ما عكس وجود اتصالات داخلية مكثفة هدفت إلى منع التصعيد.
المعلومات المتوافرة توحي بأن سلسلة من الوساطات جرت خلال الساعات التي تلت صدور البيان، لتؤدي في نهاية المطاف إلى فرملة الشارع وتفادي أي مواجهة مفتوحة قد تضع البلاد أمام مزيد من الانهيار.
الأكثر وضوحاً في هذه الصورة هو أنّ
الرئيس نبيه بري لا يرغب في تعريض الرئيس العماد
جوزيف عون لضغوط إضافية في هذه المرحلة الحساسة. فبري، بحسب مطلعين، يدرك أن أي تحرّك في الشارع قد يفرض على
المؤسسة العسكرية مهام صعبة، وربما يدخلها في صدام مع جمهور" الثنائي"، وهو ما يسعى رئيس مجلس النواب إلى تجنّبه.
إلغاء التحرّك لا يعني أن الرسالة لم تصل، بل على العكس، اذ ان"الثنائي" يعتبر أن مجرّد صدور البيان والتهديد بالنزول إلى الشارع كان كافياً لإيصال إشارة قوية، خصوصاً في ظل وجود الموفد الأميركي توم براك في
بيروت. فالإيحاء بأن خيار الشارع حاضر وجاهز يضيف ورقة ضغط إضافية على الطاولة، سواء تجاه الداخل اللبناني أو في مواجهة الضغوط الدولية.
في هذا السياق، يمكن القول إن حزب الله وحركة أمل اعتمدا سياسة "التلويح دون التنفيذ" لإظهار القوة الشعبية الكامنة خلفهما، مع إبقاء باب التفاوض مفتوحاً. فالتحرّك الشعبي، وإن أُلغي هذه المرة، قد يُعاد طرحه في أي لحظة إذا اقتضت الظروف السياسية، ما يعني أن "السلاح السياسي" لا يزال حاضراً في جعبة"الثنائي".
ما جرى خلال الأيام الماضية كشف عن توازن دقيق: من جهة، رغبة"الثنائي" في تأكيد موقعه القوي وقدرته على تحريك الشارع متى شاء؛ ومن جهة أخرى، الحرص على عدم الانزلاق إلى مواجهة مباشرة في لحظة دقيقة داخلياً وخارجياً. الرسالة وصلت بوضوح، وإمكانية تكرار السيناريو تبقى قائمة، خصوصاً إذا لم تؤتِ الاتصالات الجارية ثمارها في رسم تسوية جديدة حول ملف سلاح حزب الله وموقعه في المعادلة
اللبنانية.