يبدو واضحاً أن وتيرة تسليم السلاح الفلسطيني تتجه نحو خواتيمَ إيجابية يريدها لبنان. مخيمات الجنوب، البص، الرشيدية والبرج الشمالي، سلّمت "سلاحها الثقيل" مثلما فعلت مخيمات برج البراجنة وشاتيلا ومار الياس في بيروت، بينما احتفظت قوات الأمن الوطني الفلسطيني بسلاحها الفردي والخفيف لضبط أمن المخيمات.
ماذا يعني كل ذلك؟ هذا سؤال محوريّ، والأهم.. ماذا بعد ذلك؟ في بادئ الأمر، يُعتبر تسليم أسلحة مخيمات الجنوب عملية تطبيق حرفي لبنود القرار 1701 الذي ينصّ على وجوب ألا يكون هناك سلاح غير شرعي في منطقة جنوب الليطاني. منذ العام 2006، تاريخ صدور القرار عقب حرب تموز 2006، لم تنفذ الدولة
اللبنانية هذا الأمر، علماً أن بند السلاح الفلسطيني نوقش مرات عديدة وكثيرة، لكنه لم يُواجه التنفيذ الفعلي.
اليوم، تبدّل كل شيء.
الفلسطينيون لا يتمسكون بالسلاح بقدر ما يتمسَّكون بأخذ بعض الحقوق التي تُنصفهم داخل لبنان، وهناك وعود حقيقية لذلك، وفق ما تؤكد مُجدداً مصادر في حركة "فتح" لـ"لبنان24".
في الواقع، من مصلحة الدولة اللبنانية الوصول إلى هذه التسوية، خصوصاً أن سلاح المخيمات كان ملفاً ضاغطاً عليها. وفعلياً، إذا كان تسليم ذاك السلاح سيفتح باب تسهيلات للفلسطينيين داخل لبنان، فاللاجئون لن يُمانعوا وهذا ما حصل.
المسألةُ لا ترتبط هنا بـ"مقايضة" حصلت بين لبنان واللاجئين
الفلسطينيين، فالحصول على الحقوق هو مطلب قديم – جديد، لكن الأحداث اللبنانية على اختلافها منعت الوصول إلى تلك الصيغة التي باتت قريبة. هنا، تخرجُ بعض الأصوات لتقول إنه يجب مساواة السوريين في لبنان بالفلسطينيين من ناحية الحقوق، لكن هذا الأمر غير واقعي ولا يصلح للمقارنة بتاتاً. للتدقيق، فإن الفلسطيني لا يمكنه العودة إلى بلده بينما السوري بإمكانه وسقطت كل الحجج التي تمنع ذلك. أيضاً، فإنَّ الفلسطيني يعيش في لبنان بسبب تهجير قسري واجهه فيما أرضه مُحتلة، أما في
سوريا فالأمور تبدلت والنظام السوري السابق الذي تهجر سوريون بسببه، سقط.
رغم كل ذلك، فإن لا حديث عن "توطين" للفلسطينيين بتاتاً، ولا يمكن البحث بهذا الأمر إطلاقاً لأنه سيفتح مجالاً لإشكالية كبيرة داخل لبنان. لكن في المقابل، فإن مسألة التسهيلات قد لا تنالُ أيّ معارضة، خصوصاً أن الجهة الشرعية للفلسطينيين في لبنان وفت بوعودها، فيما بقي ملف الفصائل
الفلسطينية الأخرى هو المطروح للحل. وإن تم الغوص أكثر في المسألة، يمكن القول إن الفلسطينيين كانوا شركاء مع لبنان في تطبيق القرار 1701 من جهة، وسحب الذرائع
الإسرائيلية التي تقول إن لبنان لم ينفذ القرار، وهذا الأمر يُحسب وبشدّة.
أيضاً، فإن مسألة تسليم السلاح الفلسطيني تعني انتهاء ما يسمى بـ"الإقتتال" داخل المخيمات. مع تسليم كافة الفصائل لأسلحتها خلال وقت قريب، ستنتهي مسألة "صراع النفوذ". فعلياً، ما إن تُجرّد فئة من سلاحها، حتى ينتهي معها مبدأ القوة والفرض، وتصبح الخيارات السياسية والدبلوماسية هي المتاحة أمامها حصراً. أما في حال حصلت اشتباكات أو اقتتال مُتجدد، عندها سيكون الأمرُ مرتبطاً بخروقات حصلت من قبل جهات داخل المخيمات، وقد يرتبط ذلك بواحد من سيناريوهين: الأول يشير إلى أن أسلحة دخلت مجدداً إلى تلك التجمعات فيما السيناريو الثاني يشير إلى أن هناك أسلحة ما زالت موجودة ومتروكة للاستخدام في حينه.
ماذا بعد تسليم السلاح؟ الإجابة على هذا السؤال هي الأهم. ما ينتظرُه الفلسطينيون من وعود يجب أن يتحقق بالنسبة لهم. لهذا، فإن الدولة بحاجة إلى تنفيذ ما يتطلب منها لتعزيز الواقع الفلسطيني، وإن لم يحصل هذا الأمر، عندها ستعود مسألة المخيمات إلى الواجهة مُجدداً، وذلك من البوابة الشعبية، وليس الأمنية، بمعنى أنه ليس وارداً حصول أي "تمرد فلسطيني" على الدولة اللبنانية، فالتنسيق لم يتوقف ولا صدام ولا تصادم، كما أن الخلافات السابقة وُضعت ضمن صفحة طُويت، كما يقولُ مسؤول فلسطيني لـ"لبنان24".
ولكن، ما يجب التنبه له هو أن نهاية ملف سلاح المخيمات قد لا تكون قريبة في ظلّ وجود مخيم عين الحلوة الذي يمثل ملاذاً لمطلوبين وفارّين من العدالة اللبنانية، ناهيك عن تنظيمات أخرى مسلحة تتغلغل داخله. هنا، يكمن الجدل.. غالبية مخيمات لبنان "سلمت سلاحها" وبقي عين الحلوة.. فهل ستقدم
الدولة على "الخطوة التالية" تجاه الفلسطينيين أم أنّ حل ملف مخيم عين الحلوة هو "نقطة الإنتقال"؟ بالنسبة للسلطة الفلسطينية، فإن مسألة معالجة ملف عين الحلوة ليست متروكة والعمل جارٍ عليها.. العراقيل متوقعة جداً، بينما ما سيشجع الفلسطينيين هناك على نفض أيديهم من الجماعات المتشددة هو منحهم بعض الحقوق من قبل الدولة.. الحوافز مطلوبة والثقة ضرورية.. فهل ستسير الأمور على نحو سلمي حقاً أم أن ملف المخيمات سينتهي بجولات قتالية في صيدا حيث السعي لنزع "آخر خرطوشة" في عين الحلوة؟ كل السيناريوهات واردة ومطروحة..