عندما قرّر الرئيس
نبيه برّي طرح موضوع "الحوار الهادئ والتوافقي" لإيجاد حلّ معقول ومقبول ومنطقي لموضوع "حصرية السلاح"،كان يعلم أن الفريق الآخر سيرفض هذا الطرح، خصوصًا بعدما اتهمه بـ "التنمر" و"شيطنة" الطائفة الشيعية. وبذلك يكون رئيس المجلس النيابي قد رمى
الكرة في ملاعب هؤلاء الآخرين من دون أن يسمّيهم. وعدم التسمية مقصودة بالطبع. فالتعميم في هذا المقام يشمل جميع الذين يعتبرهم واقفين حجر عثرة أمام أي حلّ لا يكون على "الطريقة الأميركية".
وفي رأي الذين يدورون في فلك "
الثنائي الشيعي" فإن الرئيس برّي أراد من خلال هاتين الاشارتين، أي الدعوة مجدّدًا إلى الحوار واتهام "الآخرين" بـ "العمالة على ظهر دبابة إسرائيلية"، أن يقول أمرين لا ثالث لهما: الأول، هو أن لا أحد في
لبنان قادر على فرض رأيه على الآخرين، وأن أي حلّ منطقي لأي مسألة جدلية لا يمكن أن يمرّ إلاّ إذا توافق جميع اللبنانيين عليه. وهذا التوافق لا يمكن أن يجد له آليات تنفيذية إلا عبر "الحوار الهادئ".
أما الأمر الثاني فهو مرتبط حكمًا بالعامل الأول، وهو أن أي خيار غير الخيار الداخلي لن يصبّ إلاّ في خانة العدو
الإسرائيلي، الذي يحاول بكل ما لديه من وسائل لزرع الفتن الداخلية المتنقلة، ولخلق شرخ واسع بين اللبنانيين حول بعض المسلمات الأساسية، ومن بينها سلاح "
حزب الله"، الذي من غير الجائز بالنسبة إلى "الثنائي الشيعي" معالجته على طريقة وضع العربة أمام الأحصنة. والدليل في رأي هذا الفريق المسمّى بـ "الممانع" أن ما عاد به الموفد الأميركي توم برّاك من أجوبة سلبية من
تل أبيب على اقتراح "الخطوة مقابل خطوة" يؤشّر إلى أن
إسرائيل لن تنسحب من شبر واحد من الأراضي
اللبنانية، التي لا تزال تحتلها، حتى ولو تمّ تسليم آخر قطعة سلاح لدى "حزب الله".
ويعتقد "الفريق الممانع" أن أي بحث في مصير هذا السلاح لن يكون مجديًا ما دامت إسرائيل مصمّمة على إبقاء احتلالها في التلال الخمس، وربما أصبحت تسعًا. والرأي السائد أنه حتى ولو انسحبت إسرائيل فإن معالجة سلاح "حزب الله" لا يمكن أن تتمّ إلا من خلال التوافق الوطني على استراتيجية أمن وطني من شأنها أن تحمي لبنان من أي اعتداء مستقبلي، وذلك استنادًا إلى تاريخ إسرائيل الاجرامي. فلا شيء مضمونًا بألا يعود جيش
الاحتلال ليحتل من جديد أجزاء أوسع من هذه التلال الجنوبية بعد أن يتمّ تسلّم هذا السلاح.
في المقابل فإن لـ "الآخرين" المتهمين بالتنمر على الطائفة الشيعية رأيًا آخر في موضوع الحوار غير المرفوض من حيث المبدأ، إذ لا شيء يمكن حلّه إلا بالتفاهم والتوافق. وهذا الأمر مسّلم به، إذ أنه لا يمكن أن يتمّ إلا بالحوار، ولكن من دون شروط مسبقة. ويعتقد هؤلاء أن الحوار المشروط لا يمكن أن يوصل إلاّ إلى الطريق المسدود. ويقول هؤلاء أنهم لو جاروا الرئيس
بري في دعواته السابقة إلى الحوار لما كان للبنان اليوم رئيس على رأس الجمهورية، ولأستمرّ الفراغ سائدًا ومعمّمًا على سائر مؤسسات الدولة.
فلا حوار، في رأي هذا الفريق، ما دام لقسم من اللبنانيين أفضلية على غيرهم. ومن أساسيات نجاح أي حوار حول أي نقطة خلافية أن يكون جميع الجالسين على طاولة هذا الحوار متساوين في الحقوق والواجبات وخاضعين للقوانين اللبنانية المرعية الاجراء. وما دام السلاح في أيدي فئة من اللبنانيين فإن أي حوار لن يؤدّي إلى أي نتيجة مرجوة، وسيبقى كل فريق على "سلاحه" السياسي.
المطلوب إذًا من الجميع، وفق ما يراه بعض السياسيين الذين يتطلعون إلى رؤية لبنان خارجًا من أزماته معافىً وبأقل أضرار ممكنة، أن ينزل الجميع من على شجراتهم، وأن يتنازل كل منهم عمّا يعتقده صوابًا ومحقّا، وذلك عملاً بمقولة الامام الشافعي "قولي صواب يحتمل الخطأ، وقول غيري خطأ يحتمل الصواب". وهذا هو الأساس لأي حوار هادف وناجح، وغير هذا يبقى اللبنانيون يدورون حول أنفسهم وفي دائرة مفرغة من أي مضمون.