في الجلسة الحكومية التي انعقدت أمس، بدا المشهد أكثر تعقيدًا مما كان متوقعًا. فبينما كان الهدف المعلن هو إقرار خطة الجيش لنزع السلاح غير الشرعي، انتهت الحكومة إلى مخرجات تعكس تراجعًا واضحًا أمام "
الثنائي الشيعي"، ليس فقط من خلال التخلي عن عملية التنفيذ، بل أيضًا عبر تراجع غير مباشر عن قراري ٥ و٧ آب، اللذين شكّلا سابقًا محطة أساسية في مقاربة هذا الملف.
في الشكل، لم يمنح "الثنائي الشيعي" الشرعية الكاملة للحكومة، إذ سحب عنها الميثاقية عبر انسحاب الوزراء
الشيعة الخمسة، كما أنهم لم يدخلوا في نقاش مباشر لخطة الجيش حتى لا يتم تكريس الاعتراف بقراراتها السابقة. غير أنّ المراقبين سجلوا أنّ خطاب الحكومة انكفأ خطوة إلى الوراء، إذ تجنبت استخدام عبارة "إقرار الخطة"، مكتفية بقولها إنها "رحّبت بالخطة التي عرضها
قائد الجيش". هذا التلاعب اللغوي أظهر حجم الحرج السياسي الذي وقعت فيه السلطة التنفيذية.
أما في المضمون، فقد نجح الجيش في تفريغ القرار السياسي من محتواه العملي، عبر ربط التنفيذ بسلسلة من الشروط والاعتبارات التي تجعل نزع السلاح مسألة مؤجلة وربما غير قابلة للتحقق. فقد وضع شرط وجود الإمكانيات، حيث أكد الجيش أنه غير قادر على تنفيذ خطوات كبيرة في مواجهة "الحزب" ما لم يتم تعزيز قدراته. وفي حال سارت الحكومة بهذا الخيار، سيكون
لبنان أمام جيش مختلف، قادر على مواجهة أي عدوان خارجي، ما يغيّر وجه المعادلة برمّتها.
البند الثاني ربط التنفيذ جنوب
الليطاني بانسحاب
إسرائيل وتطبيق القرار 1701. وهذا الشرط يفتح الباب أمام تأجيل طويل، إذ إن
الاحتلال والاعتداءات
الإسرائيلية ما زالت مستمرة. اللافت أن هذه الشروط اقتصرت على جنوب الليطاني فقط، ما يعكس إدراكًا عميقًا لصعوبة توسيع مهمة نزع السلاح حتى لو انسحبت اسرائيل.
إلى جانب ذلك، أعطى الجيش لنفسه صلاحية الاستنساب في التحرك الميداني، ما يعني أن التنفيذ لن يكون مقيدًا بمهلة زمنية محددة، بل خاضعًا لتقدير القيادة العسكرية والظروف الميدانية. هذه الصياغة تترك الباب مفتوحًا أمام تأجيل متواصل لأي خطوة عملية.
الأكثر دلالة أنّ الحكومة أعادت ربط خطة الجيش بقراراتها السابقة في ٥ و٧ آب، لكنها في الوقت نفسه أعلنت أنّ تنفيذ هذه القرارات معلّق بسبب عدم تجاوب إسرائيل. وبذلك، بدا المشهد وكأن الحكومة تراجعت من دون أن تقول ذلك صراحة، فيما الجيش قدّم مقاربة تجعل نزع السلاح تفصيلًا ثانويًا مرتبطًا بحلول معقدة لم تلح بوادرها بعد.
بهذا، خرجت الجلسة بنتيجة عنوانها التراجع السياسي، إذ لم تكسب الحكومة غطاءً ميثاقيًا، ولم تقدّم خطة قابلة للتنفيذ، فيما بدا الجيش لاعبًا أساسيًا في تدوير الزوايا وتخفيف وطأة الاستحقاق.
اما النتيجة فهي أن ملف السلاح لا يزال معلّقًا، فيما لبنان يواجه واقعًا أكثر التباسًا من أي وقت مضى.