Advertisement

لبنان

من 5 أيلول إلى المجهول: لبنان بين فشل التسوية وشبح التصعيد

جاد الحاج - Jad El Hajj

|
Lebanon 24
09-09-2025 | 04:00
A-
A+
Doc-P-1414486-638930068895945530.jpeg
Doc-P-1414486-638930068895945530.jpeg photos 0
facebook
facebook
facebook
telegram
Messenger
Messenger
A+
A-
facebook
facebook
facebook
telegram
Messenger
Messenger
تتضارب التوصيفات حول ما أفرزته الجلسة الحكومية الأخيرة في بيروت بشأن ملف سلاح "حزب الله" . فبينما سارع بعض الأطراف إلى تصويرها كإنجاز تاريخي يفتح الباب أمام مرحلة جديدة، رأى آخرون أنها لم تكن سوى تراجعٍ اضطراري فرضته موازين القوى الداخلية. وقد برز في هذا السياق خطاب رئيس "حزب القوات اللبنانية" سمير جعجع، الذي أراد أن يضفي على المشهد بُعداً أقرب إلى "الانتصار الإلهي"، في محاولة لتعبئة جمهوره واستثمار اللحظة سياسياً. لكن خلف هذه اللغة الرمزية، بدت القرارات الفعلية أشبه بترسيخ واقعٍ قائم، أكثر من كونها تحولاً نوعياً.
Advertisement

في المقلب الآخر، لم يتأخر "حزب الله" في رسم مقاربته. فقيادته اعتبرت أن ما جرى يعكس ارباك السلطة في مجاراة الضغوط الخارجية، وأن النقاش في مسألة السلاح لا يمكن أن ينفصل عن جوهر الصراع مع إسرائيل واستمرار الاعتداءات. وبالرغم من المواقف الحادة التي وُجّهت إلى الحكومة، فإن "الحزب" سعى أيضاً إلى التلميح لقدر من الانفتاح المشروط، حيث ربطه بتحقيق السيادة الوطنية ووقف العدوان، في إطار استراتيجية دفاعية متكاملة. هكذا، وبخطاب مزدوج يجمع بين التحدي والمرونة، يبعث "الحزب" برسالة أنه ليس في وارد تقديم تنازلات مجانية، لكنه في الوقت نفسه يترك الباب موارباً أمام تفاوض على أسس مختلفة.

هذا التباين بين قراءة جعجع وقراءة "الحزب" يسلّط الضوء على مأزق أعمق يتجلّى في انعدام أي أرضية مشتركة داخلية تسمح بتسوية واقعية. فمن جهة، هناك فريق يرى في أي خطوة حكومية بداية مسار يُفضي إلى تقليص نفوذ "الحزب"، ومن جهة أخرى يقابل ذلك إصرار "الحزب" على أنّ سلاحه ليس مطروحاً للمساومة إلا وفق معادلة أمنية وسياسية أوسع. والنتيجة أن الجلسة التي عُقدت على وقع تطلعات دولية وعربية لم تفضِ إلى خارطة طريق واضحة، بل كشفت حدود قدرة السلطة على إدارة هذا الملف.

في البُعد الإقليمي، لا يُخفي الأميركيون والإسرائيليون مراقبتهم الدقيقة لمجريات الجلسة الحكومية وما أفرزته من مواقف متضاربة. فواشنطن التي تحاول منذ أشهر دفع السلطة اللبنانية نحو خطوات عملية في ملف السلاح، قرأت ما جرى على أنه دليل إضافي على عجز الدولة عن فرض رؤيتها، ما يعزز توجهها إلى استخدام أوراق الضغط المالي والسياسي بصورة أشدّ قسوة. أما إسرائيل، فترى في استمرار الانقسام الداخلي اللبناني فرصة ثمينة لتقويض أي جبهة وطنية موحّدة قادرة على مواجهة اعتداءاتها، وتعتبر أن تضارب الخطابات بين القوى السياسية يقدّم لها غطاءً لمواصلة التصعيد من دون خشية ردّ لبناني جامع. وبذلك، يصبح الانقسام الداخلي عاملاً مضاعفاً للضغوط الخارجية، إذ يُترجم في السياسة الأميركية والإسرائيلية كنافذة لإحكام الطوق على لبنان وإبقاء ملف سلاح "الحزب" مفتوحاً بلا تسوية قريبة.

غير أن الأخطر يكمن في تلاقي هذه الضغوط الخارجية مع هشاشة الداخل. فالتصدّع بين القوى اللبنانية حول سلاح "حزب الله" لا يقتصر على خلاف سياسي عادي، بل يتحول تدريجياً إلى شرخ بنيوي يهدّد الاستقرار. فكلما صعّدت واشنطن وتل أبيب من أدوات الضغط، ازداد إغراء بعض الأطراف الداخلية بالرهان على الخارج لتغيير موازين القوى، في حين يتمسّك "الحزب" بخياراته دفاعاً عن شرعيته وسلاحه. هذه المعادلة تجعل احتمال الانزلاق نحو اهتزازات أمنية أو مواجهات موضعية أكثر واقعية، خصوصاً في بيئة تُفتقد فيها أي آلية داخلية جامعة لإدارة الخلافات. ومع غياب الحد الأدنى من التوافق الوطني، يبقى أي احتكاك سياسي أو ميداني مهدداً بالتوسع إلى أزمة شاملة تتجاوز حدود السجال السياسي.

إن ما جرى في الخامس من أيلول لم يكن محطة عابرة، بل مؤشر على المرحلة المقبلة، التي يتقاطع فيها انسداد الداخل مع تصلّب الخارج، وتتقلص فيها فرص التسويات لمصلحة إدارة الأزمات بالحد الأدنى. ووفق مصادر سياسية مطّلعة، فإنّ غياب أي مقاربة شاملة تُوازن بين مقتضيات السيادة ومخاطر الانهيار، يبقى لبنان عرضةً للاهتزاز الدائم، محكوماً بمعادلة "سلاح حزب الله باقٍ"، فيما المجتمع الدولي يراقب مترقباً اللحظة التي يظنها مناسبة لفرض شروطه. وما بين هذين الحدّين، تزداد البلاد غرقاً في دوامة سياسية وأمنية بلا أفق واضح.
مواضيع ذات صلة
تابع
Advertisement

أخبارنا عبر بريدك الالكتروني

إشترك

جاد الحاج - Jad El Hajj