كتب
علي حيدر في" الاخبار": تزامن إعلان رئيس الوزراء نواف سلام أنّه لا يطرح «استراتيجية دفاعية» بل «استراتيجية أمن وطني»، مع العدوان
الإسرائيلي على قيادة حركة
حماس في
الدوحة، بما حمله من دلالات رمزية وسياسية وأمنية، أبرزها أنّه نسف عملياً الافتراض الذي رُوّج له طويلاً بأن «الاحتضان الأميركي» يشكّل مظلّة حماية أمام الاعتداءات
الإسرائيلية. ويكتسب هذا الحدث أهميته بوصفه برهاناً حياً على فشل الرهان على المظلّة الأميركية بدل الاعتماد على
المقاومة أو بناء قدرة دفاعية ذاتية. فالأمن الوطني لا يُصان بالوعود، بل بالقدرات الفعلية، ويتجلى هذا المفهوم بوضوح أكبر عندما تكون الدولة صغيرة وهشة.
حين يُصرّح رئيس الوزراء بأنّ ما يُطرح ليس «استراتيجية دفاعية» بل «استراتيجية أمن وطني»، يُفتح
النقاش حول التسلسل المنطقي لصوغ الاستراتيجيات. فـ«الأمن الوطني» بالمعنى الواسع يبدأ بتشخيص المخاطر والتهديدات، ثم بلورة السياسات والأدوات اللازمة لمواجهتها. وفق هذا المنطق، تصبح الاستراتيجية الدفاعية نتيجة حتمية وتتويجاً لمسار الأمن الوطني. وعليه، فإن غياب سياسة دفاعية محددة يحوّل وثيقة الأمن الوطني إلى إطار إداري داخلي، عاجز عن الإجابة عن السؤال الأساسي: كيف نمنع العدوان ونردّه؟ وهكذا ينشأ التناقض العملي: إعلان أهداف كبرى بلا أدوات حماية، أي أهداف على الورق بلا حوامل واقعية.
ويبدو أنّ رئيس الحكومة يدرك تماماً وزن كل كلمة يقولها، ما يعني أنّه يتبنّى، عن وعي كامل، بدائل محددة عوض صياغة استراتيجية دفاعية للبنان. وتتمثل هذه البدائل في ثلاثة مسارات رئيسية: الإبقاء على
لبنان بلا مظلّة ردعية أو دفاعية ذاتية؛ الافتراض بأن الجيش اللبناني قادر وحده على القيام بالمهمة؛ والرهان على المؤسسات الدولية أو على المظلّة الأميركية لحماية لبنان.
لكن التجربة
اللبنانية والعربية، فضلاً عن دروس التاريخ القريب، تُظهر أنّ هذه البدائل الثلاثة غير قابلة للتحقق عملياً. فلبنان، من
الاحتلال الإسرائيلي إلى الاعتداءات الإرهابية، مروراً بالتحديات الإقليمية المتكررة، يواجه بيئة متغيرة تهدد وجوده بشكل
دوري، و«تجريده» من قدراته الدفاعية يعني، عملياً، تحويله إلى ساحة مستباحة بلا قوة دفاعية.
وفي كل الأحوال، تسهم مواقف رئيس الوزراء في تصعيد حدة الانقسام السياسي اللبناني، وتُفسَّر على أنّها تبنٍّ لأجندات خارجية على حساب عناصر القوة الداخلية للبنان، بل وكأنها تجسيد عملي لمطالب العدو الإسرائيلي والسياسة الأميركية، التي تسعى إلى تجريد المنطقة من عناصر الدفاع والقوة.