يستعد الفاتيكان، في خطوة تحمل بُعداً روحياً وتاريخياً عميقاً، لإعلان قداسةَ مطران الكنيسة الأرمنية الكاثوليكية في
ماردين إغناطيوس مالويان، الذي استشهد أثناء الإبادة الجماعية الأرمنية عام 191. فإلى جانب كون هذا الحدث حدثاً كنسياً، هو أيضاً اعتراف عالمي بمكانة رجل دين قدّم حياته دفاعاً عن إيمانه وعن رعيته في أقهر الظروف.
وكتب سيروج أبيكيان في " النهار": وُلد المطران إغناطيوس مالويان في مدينة ماردين عام 1869، وتربّى منذ صغره في بيئة دينية ملتزمة بالقيم
المسيحية والإنسانية. التحق بالمدارس الكنسية وتدرّج في مسيرته الروحية حتى نال سر الكهنوت، ليُعرف لاحقاً بتفانيه في خدمة الرعية وحرصه على تثقيف المؤمنين في الإيمان والتعليم المسيحي. وفي عام 1911 عُيّن مطراناً على أبرشية ماردين الأرمنية الكاثوليكية.
مع بدء أعمال تنفيذ وارتكاب الإبادة الجماعية التي طالت الأرمن في أراضيهم في السلطنة العثمانية، وجد المطران مالويان نفسه أمام امتحان قاسٍ كقائد لرعيته وقدوة لشعبه، فقد اعتُقل مع مئات من المؤمنين، وكما جرت العادة، طُلب منه إنكار إيمانه، لكنه رفض بجرأة، معلناً ولاءه المطلق للمسيح وكنيسته، معتبراً أن "الإيمان أغلى من الحياة، والموت في المسيح لهو ولادةٌ جديدة". وبعد سلسلة طويلة من التعذيب والاضطهاد تم إعدام المطران مالويان في حزيران 1915، ليصبح رمزاً للشّهادة المسيحية وللثّبات على القيم الروحية.
وفي لقاءٍ خاص، اعتبر غبطة بطريرك الكنيسة الأرمنية الكاثوليكية رافييل بدروس الحادي عشر ميناسيان، أن إغناطيوس مالويان مطران ماردين نال تكريمه الكبير من سلطات السلطنة العثمانية لخدماته الوطنية ووفائه لأرمنيته والتزامه الديني، والتكريم الآخر باستشهاده على طريق القداسة، وها هو اليوم يصبح شاهداً أبدياً حاملاً وصية إيمانه المسيحي.
ولا يخفى على العوام كثرة نشاطات البطريركية في السنوات الأخيرة، وآخرها نقل جثمان المكرّم البطريرك أغاجانيان إلى
لبنان، والتحضير أيضاً بعد المطران مالويان إلى إعلان قداسة الأب كوميداس، نشاط
إيماني كما في السماء كذلك على الأرض، ويقول صاحب الغبطة ميناسيان: "إن الكنيسة الأرمنية هي رسولية وطنية شاملة، والكنيسة الأرمنية الكاثوليكية جزء لا يفترق ولا يتجزأ منها، ولا يميل عن أرمنيته، وتقوم الكنيسة بالواجبات الروحية في خدمة المسيح وخدمة شعوبنا، وبدورنا نحافظ ونسهر على إيماننا أمام الكنيسة الجامعة الرسولية".
سيترأس البابا لاون الرابع عشر احتفال إعلان القداسة في ساحة القديس
بطرس في الفاتيكان
يوم الأحد الواقع فيه 19 تشرين الأول 2025، بحضور رئيسَي لبنان وأرمينيا، وبحضور
أوروبي وأميركي على مستوى السفراء، والبطاركة الشرقيين، ورجال الدين ومؤمنين من مختلف أنحاء العالم، إضافة إلى وفود أرمنية شعبية ومؤسسات كنسية. سيكون هذا اليوم لحظة تاريخية تتوّج مسيرة المطران مالويان، وتجعل من ذكراه أيقونة للشجاعة الروحية والثبات في وجه الاضطهاد.
أمّا يوم الأحد 15 تشرين الثاني 2025، فستقام صلاة الشكر في سيدة لبنان حاريصا. ويختم صاحب الغبطة ميناسيان: "على ساحة القداسة لا نقدّم إلّا الشهادة على الإيمان المسيحي".