من الواضح أنّ المعركة
الانتخابية المقبلة لن تكون شبيهة بالاستحقاقات السابقة، إذ تتجه كل المؤشرات إلى أنها ستتبلور حول محورين أساسيين:
الثنائي الشيعي من جهة، والقوات
اللبنانية من جهة أخرى. هذا الانقسام الواضح يعكس حجم التحدي الذي ينتظر القوى السياسية، خصوصًا في ظل تغيّرات المزاج الشعبي وتراجع حضور بعض الزعامات التقليدية.
الثنائي الشيعي يدخل السباق بخطة واضحة المعالم، عنوانها تثبيت الغلبة في الدوائر ذات الغالبية الشيعية وضمان المقاعد المخصصة لهذه الطائفة من دون أي خرق يُذكر. الهدف الأبرز لهذه الاستراتيجية هو الوصول إلى ما يُعرف بـ"الثلث المعطِّل" داخل مجلس النواب، وهو الرقم الذي يمنح الثنائي قدرة على التأثير المباشر في مسار القرارات الكبرى، سواء في القوانين الحساسة أو في الاستحقاقات المفصلية مثل انتخاب رئيس الجمهورية أو تشكيل الحكومات. بهذا المعنى، فإن الثنائي لا يسعى فقط إلى المحافظة على حجمه التقليدي، بل يعمل على توسيع دائرة نفوذه بما يضمن له موقعًا مرجّحًا داخل اللعبة السياسية.
في المقابل، تتحرك
القوات اللبنانية برؤية مختلفة، إذ ترى في الانتخابات فرصة نادرة لتثبيت موقعها كقوة وازنة على مستوى التمثيل الوطني. رهان القوات لا يقتصر على جمهورها التقليدي على الساحة
المسيحية، بل يمتد بشكل لافت إلى محاولة جذب الشارع السني، واقتناص أصوات جديدة تعزز رصيدها النيابي، وتمنحها قدرة على موازنة الثنائي الشيعي في مجلس النواب.
الأهم أنّ استراتيجية القوات تتجاوز البعد العددي لتصل إلى محاولة حسم الكباش السياسي بشكل كامل. فهي تراهن على إمكانية نيل أكثرية مطلقة داخل البرلمان، ما يعني القدرة على تعطيل مفاعيل "الثلث المعطل" لدى الخصوم، وفتح الطريق أمام إعادة صياغة المعادلات الداخلية بما ينسجم مع رؤيتها السياسية. من هنا يمكن فهم حدة خطابها في الآونة الأخيرة، حيث تحاول تصوير نفسها كالممثل الأبرز لمعارضي
حزب الله، والجهة القادرة على مواجهة سطوته.
بين هذه الرهانات المتقابلة، يقف المشهد السياسي
اللبناني على أعتاب مواجهة انتخابية تُشبه معركة كسر عظم. فالثنائي يعتبر أنّ الحفاظ على موقعه شرط أساسي لضمان التوازن في الداخل، فيما ترى القوات أنّ الوقت حان لتجاوز لعبة التوازنات نحو أكثرية مطلقة تتيح تغييرًا حقيقيًا في ميزان القوى. وفي ظل الانقسام الشعبي الحاد، وغياب الوسطيين القادرين على لعب دور بيضة القبان، تبدو البلاد مقبلة على اختبار صعب قد يرسم معالم المرحلة المقبلة بأبعادها السياسية والدستورية.