حملت "القمة العربية- الاسلامية" التي جمعت قادة عربًا ومسلمين، إلى جانب ممثلين عن
تركيا وإيران وغيرهما رسائل قوية على المستويين السياسي والدبلوماسي وأظهرت أن المشهد لم يعد يحتمل المزيد من التجاوزات
الإسرائيلية التي تجر المنطقة إلى مرحلة أكثر تعقيدًا.
الخطاب العربي في القمة، وإن بقي في إطار التصعيد الكلامي، يعكس بوضوح أن هناك تحولات ملموسة تضغط باتجاهها السياسات التي يعتمدها
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. فالعواصم العربية باتت ترى أن التجاوزات الإسرائيلية لم تعد مقتصرة على الأراضي
الفلسطينية أو على ساحات المواجهة التقليدية، بل امتدت إلى استهداف مباشر لدولة عربية، ما استدعى إعادة حسابات واسعة في العلاقات البينية بين
الدول العربية نفسها، ومع بعض القوى الإسلامية الفاعلة كتركيا وإيران.
اللقاءات التي جرت على هامش القمة بين
القادة العرب ونظرائهم
الأتراك والإيرانيين أبرزت جانبًا مهمًا من هذا التحول؛ إذ أن التنسيق بين هذه الأطراف، وإن كان لا يزال في بداياته، يمثل مؤشرًا إلى أن
إسرائيل، بتصرفاتها، تدفع خصومها التاريخيين إلى إيجاد قواسم مشتركة ولو مرحلية لمواجهة التحديات التي يفرضها الوضع القائم. هذا البعد الاستراتيجي هو الذي أقلق
واشنطن ودفعها إلى التنصل من أي علاقة مباشرة بالضربة التي طالت الدوحة، معتبرة إياها ضربة إسرائيلية بحتة، وكأنها بذلك تحاول احتواء الغضب العربي وتفادي الانزلاق إلى مواجهة دبلوماسية أوسع.
من جهة أخرى، بات واضحًا أن استمرار الواقع
الإسرائيلي من دون أي تغيير جوهري سيدفع الدول التي طبّعت مع إسرائيل في السنوات الأخيرة إلى مراجعة خياراتها. فقد ظهر هذا الاتجاه بداية من خلال التراجع الملحوظ في مستوى التنسيق الأمني بين مصر وإسرائيل، وهو تنسيق كان يُعدّ من ركائز الاستقرار الحدودي في السنوات الماضية. إلى جانب ذلك، برز تصعيد كبير على مستوى الخطاب السياسي من قبل دولة الإمارات، التي وإن لم تقطع علاقاتها مع تل أبيب، إلا أنها أظهرت انزعاجًا علنيًا من السياسات الإسرائيلية الأخيرة.
القمة العربية والإسلامية في الدوحة لم تكن مجرد محطة عابرة، بل شكلت علامة فارقة في إدراك الدول العربية والإسلامية لخطورة الممارسات الإسرائيلية. فإسرائيل التي أرادت تكريس قوتها من خلال الضربات والاعتداءات، وجدت نفسها في مواجهة خطاب عربي وإسلامي أكثر توحدًا، وتحالفات ناشئة قد تعيد رسم خريطة التوازنات في المنطقة. وإذا استمرت هذه الدينامية، فقد نشهد مرحلة جديدة من إعادة الاصطفاف السياسي العربي والإسلامي، تكون فيها إسرائيل الخاسر الأكبر.