Advertisement

لبنان

انفتاح "حزب الله" على السعودية: بين إشارات قاسم ورسائل المنطقة

جاد الحاج - Jad El Hajj

|
Lebanon 24
20-09-2025 | 04:00
A-
A+
Doc-P-1419307-638939599193131788.webp
Doc-P-1419307-638939599193131788.webp photos 0
facebook
facebook
facebook
telegram
Messenger
Messenger
A+
A-
facebook
facebook
facebook
telegram
Messenger
Messenger
لم تأتِ دعوة أمين عام "حزب الله" الشيخ نعيم قاسم لفتح صفحة جديدة مع السعودية من فراغ أو في سياق عابر، فالمنطقة تعيش واحدة من أدق مراحلها وأكثرها خطورة منذ سنوات، بعدما توسّع الاستهداف الإسرائيلي ليطال العمق الإيراني أولاً ثم يمتد إلى قطر، في مشهدٍ أحدث صدمة دفعت عواصم عربية أساسية إلى إعادة النظر في أولوياتها وخياراتها. وفي ظل هذا المشهد المتبدّل، لم يعد مجدياً الركون إلى سياسات القطيعة والمواجهة المفتوحة، بل بات ملحّاً البحث عن أرضيات مشتركة تُخفّف الخلافات وتقطع الطريق على إسرائيل للاستفادة من الشرخ القائم.
Advertisement

أهمية خطاب قاسم لا تكمن فقط في رسالته المباشرة، بل في توقيته أيضاً. فقبل أيام قليلة،عُقد لقاء لافت بين ولي العهد السعودي محمد بن سلمان وأمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي لاريجاني، حيث جرى استعراض للأوضاع الإقليمية وبحث سبل التعاون في الملفات الأمنية والاقتصادية. وقد توافق الطرفان على ضرورة إزالة العقبات التي تعيق التبادل التجاري، وتوسيع مجالات الشراكة في المستقبل، مع إشارة واضحة إلى أنّ التعاون بين البلدين سيتخذ شكلاً أكثر تنظيماً في المرحلة المقبلة. ومهما قيل عن تفاصيل هذا اللقاء، فإن مجرّد انعقاده يعكس أنّ قنوات التواصل لم تُغلق تماماً، وأنّ لحظة مراجعة شاملة باتت تفرض نفسها على الجميع، بحيث لم يعد الحديث عن إعادة التموضع ترفاً سياسياً، بل استجابة لضرورات واقعية تمليها الوقائع.

من هنا يصبح منطقياً الربط بين الدعوة العلنية التي أطلقها قاسم وبين المناخ الإقليمي الأوسع. فالموقف الصادر عن "حزب الله" لا يُقرأ كمبادرة معزولة، بل كجزء من بيئة إقليمية تتبلور بين طهران والرياض، وتفتح الباب أمام ترجمة أي تقارب محتمل إلى تهدئة في ساحات أخرى. وبإعلانه هذا الموقف، يُظهر "الحزب" استعداده لإدارة الخلاف مع المملكة بعيداً عن الصدام المباشر، مع الإبقاء على ثوابته في مواجهة إسرائيل.

الجانب السعودي بدوره يواجه معادلة دقيقة. فالمضي في سياسة المواجهة المفتوحة مع "حزب الله" بات يفرض أعباء متزايدة في ظل توسّع التهديد الإسرائيلي وتنامي المخاطر على أمن المنطقة، بينما الانفتاح على إدارة الخلاف يمنح المملكة فرصة لترسيخ موقعها كقوة عربية محورية قادرة على تعزيز الاستقرار. ومن هنا، فإن التجاوب مع هذه الدعوة لا يعني بالضرورة تبدّلاً في المواقف الجوهرية، لكنه يفتح نافذة عملية لتهدئة الأجواء، ويحدّ من قدرة إسرائيل على استغلال التباينات العربية لمصلحتها.

وفق مصادر سياسية مطّلعة فإنّ ما طُرح ليس تغييراً في الثوابت بقدر ما هو إدراك بأنّ المعركة ضد إسرائيل لا يمكن أن تُخاض في ظل خصومات عربية مستمرة. والنداء العلني من قاسم لم يكن ليخرج لو لم يكن هناك استعداد في مكان ما لالتقاطه، أو على الأقل جسّ نبض حول إمكانياته. وهذا بحدّ ذاته تطوّر يستحق التوقف عنده، لأنّ خفض منسوب التوتر، ولو تدريجياً، يساهم في حماية الساحات العربية من الانزلاق إلى فوضى في لحظة بالغة الخطورة.

في الخلاصة، إنّ خطاب قاسم، مقروناً باللقاء السعودي ـ الإيراني الأخير، يعكس إدراكاً واضحاً بأنّ ملامح مرحلة جديدة تلوح في الأفق قد لا تفضي مباشرة إلى اتفاق شامل، لكنها تمهّد لمسار مختلف يقوم على بناء جسور تواصل بين أطراف مؤثرة في المنطقة. وترى المصادر أنّ التحدي الحقيقي يكمن في تحويل هذه الإشارات إلى خطوات ملموسة، لأنّ تجاهلها يمنح إسرائيل فرصة لاستغلال الانقسامات، بينما استثمارها يفتح الباب أمام معادلة أكثر توازناً تحفظ المصالح العربية وتؤسس لشراكة إقليمية أوسع. إنها لحظة نادرة، إن لم تُستثمر الآن، فقد يصعب تكرارها.
مواضيع ذات صلة
تابع
Advertisement

أخبارنا عبر بريدك الالكتروني

إشترك

جاد الحاج - Jad El Hajj