مع اقتراب موعد الاستحقاق النيابي، يبدو أن المشهد السياسي اللبناني يتّجه نحو إعادة رسم واضحة لخارطة القوى. وإذا كانت انتخابات 2022 قد حملت مفاجأة دخول مجموعة من النواب التغييريين أو "نواب الثورة" إلى
البرلمان، فإن التجربة أثبتت أن هذا الحضور لم يُترجم إلى قوة سياسية متماسكة قادرة على الاستمرار.
أفول التغييريين
من المرجّح أن معظم نواب التغيير لن يترشحوا أساسًا، وإن فعلوا، فإن حظوظهم بالنجاح شبه معدومة. الانقسامات بينهم، ضعف تنظيمهم، وتراجع الرصيد الشعبي الذي بُني على زخم انتفاضة 17 تشرين، كلها عوامل تجعل فرصهم محدودة. الاستثناء قد يكون عند بعض الأسماء التي تملك عناصر قوة وحضورًا ميدانيًا في دوائرها...
مصادر متابعة قالت لـ"لبنان24" إن "عدداً من النواب الذين وُصفوا بالتغييريين في 2022 يدرسون جديًا عدم الترشح مجددًا بسبب ضغوط مالية وشعبية، فيما يحاول بعضهم إعادة بناء تحالفات جديدة على المستوى المحلي لتقليص الخسائر". وأشارت هذه المصادر إلى أن "الانقسامات الداخلية لم تعد مجرّد تباين في الرأي بل تحوّلت إلى تنافس شخصي في بعض الدوائر، ما أفقد المشروع زخمه الأول".
ثبات المستقلين
في المقابل، يبرز المشهد المستقل كقوة فعلية لا يمكن تجاهلها. هؤلاء يملكون حضورًا متجذّرًا في دوائرهم، وخطابًا أكثر مرونة، وقد أثبتوا أنهم قادرون على فرض تحالفات حتى على القوى الحزبية التقليدية.
في
الشمال، يشكّل النائب ميشال معوض حالة خاصة، رصيده الشعبي إلى جانب تحالف محتمل مع "القوات" و"
الكتائب" بعد التحالف البلدي يجعل عودته شبه محسومة.
وفي كسروان، يبدو النائب نعمة إفرام مرتاحًا، إذ أن تحالفه مع "القوات" أو تحالفه مع "الكتائب" والنائب فريد الخازن يمنحه أفضلية تجعل معركته مضمونة نسبيًا. وهو كان رأس حربة في معركة جونية البلدية.
في المتن، يظلّ النائب ميشال الياس المر رقمًا اساسيا، مستفيدًا من إرث جده الخدماتي، إضافة إلى تفاهمه التاريخي مع الطاشناق وربما يعود التحالف مع
التيار الوطني الحر، ما يضمن له ولائحته أكثر من حاصل وخاصةً إذا ما ذهبت القوات لتشكيل لائحة منفردة بعيدًا عن الكتائب التي لا مصلحة لها بالتحالف مع أحد في المتن
الشمالي.
العقدة القانونية: صوت المغتربين
يبقى أن الخلاف حول
قانون الانتخابات، وتحديدًا مسألة تصويت المغتربين، قد يكون عنصرًا حاسمًا في إقصاء ما تبقى من نواب التغيير. إذ أن جزءًا من رصيدهم السابق جاء من أصوات الخارج، وأي تعديل أو تضييق على هذا الحق سيُنهي عمليًا فرص وصولهم مجددًا إلى البرلمان.
كل المعطيات تشير إلى أن
لبنان يتجه إلى مشهد نيابي مختلف تمامًا:
انحسار واضح للتغييريين الذين دخلوا البرلمان في لحظة غضب شعبي.
تعزيز موقع النواب المستقلين الذين يملكون حضورًا شعبيًا وتحالفات مرنة مع الأحزاب.
بروز وجوه جديدة قد تكون حزبية أو مستقلة، بحسب موازين القوى في كل دائرة.
بكلام آخر، الاستحقاق النيابي المقبل لن يكون مجرّد إعادة إنتاج للبرلمان الحالي، بل فرصة لإعادة خلط الأوراق، وربما ولادة توازنات سياسية مختلفة عما عرفناه في السنوات الأخيرة.