من حيث المبدأ، ووفق المنهجية السياسية التي يتبعها "
حزب الله" منذ أن قرّرت الدولة أن تحصر السلاح بيد قواها الشرعية كما جاء في مقدمة اتفاق وقف إطلاق النار في 27 تشرين الثاني الماضي، فإن "اللعب" بورقة إضاءة صخرة الروشة بصورتي أمينيه العامين السابقين السيدين
حسن نصرالله وهاشم صفي الدين في الذكرى الأولى لاستشهادهما بقيت محل أخذ وردّ حتى آخر دقيقة قبل التوصّل إلى تسوية غير معلنة شارك في صياغتها الحريصون على وحدة البلد، وفي مقدمهم
الرئيس نبيه بري.
فهذه السياسة التي يتبعها "حزب الله" في مقاربة
القضايا الحسّاسة أدرجها البعض في خانة رفضه المبدئي تسليم سلاحه لأي كان. ولو لم يتم التراجع غير المعلن عن هذا القرار لذهبت البلاد إلى المكان غير المرغوب به، والذي يحاول الجميع تجّنبه بكل الوسائل الممكنة، خصوصًا أن الحديث عن "كربلاء جديدة لو لزم الأمر" قد أصبح خارج اللعبة الداخلية والحسابات الخاطئة.
فـ "الحزب" يعتبر أن التراجع عن موضوع إضاءة صخرة الروشة جاء بعد اتصالات أجريت طيلة الساعات الماضية، والتي تمنى فيها المتصلون على "حارة حريك" إعادة النظر بهذا القرار، خصوصًا أن التراجع عنه لن يمس جوهر القضية، وإن كان بعض المتشدّدين داخل القيادة الحزبية يعتبرون أن القضيتين جزء لا يتجزأ من قرار متخذ عن سابق تصوّر وتصميم.
وعلى كل، وفي كلا الحالتين، فإن المأزوم من أي قرار، سلبيًا كان أم نصف إيجابي، هو الحكومة الحالية، التي ستجد نفسها كالحجر بين شاقوفين، خصوصًا أن الوزراء المعنيين بتنفيذ التعميم الذي أصدره رئيس الحكومة إلى كل الإدارات والمؤسسات العامة والبلديات واتحاداتها والأجهزة المعنية كافة في "شأن الالتزام بتطبيق القوانين التي ترعى استعمال الأملاك العامة البرية والبحرية والأماكن الأثرية والسياحية والمباني الرسمية والمعالم التي تحمل رمزية وطنية جامعة"، قد تبّلغوا من القيادة السياسية لـ "حزب الله" المضي قدمًا في إقامة هذا الاحتفال – التجمع، وذلك على خلفية أن القانون لا يفرض الإبلاغ مسبقًا عن هكذا تجّمع. وهذا الأمر شكّل تحدّيًا جديدًا وضع فيه "الحزب" الحكومة في موقف محرج. فلو أصرّ "حزب الله" على "الإضاءة السياسية" لصخرة الروشة، لكانت هذه الحكومة قد وجدت نفسها مجبرة على تقبّل الأمر، ولكانت رضخت لهذا الأمر، مع ما يعنيه ذلك من سقوط مدوٍّ لهيبتها. ولو حاولت منع قيام هذا الاحتفال بالقوة فإن المشكلة كانت لتكون أكبر مما كان يمكن توقّعه. وفي كلا الحالتين فإن حكومة "الإنقاذ والإصلاح" في موقف لا تُحسد عليه، خصوصًا أن
العين الخارجية تراقب كل التصرفات، التي تقوم بها هذه الحكومة المتهمة بالتقصير والمماطلة في موضوع "حصرية السلاح". وهذا ما صرّح به الموفد الأميركي توم برّاك مؤخرًا.
البداية كانت بتحدّي "حزب الله" للحكومة عبر إصدار دائرة الاعلام بيانا أعلن فيه إصراره على فعالية إضاءة صخرة الروشة، إذ تقصّد توزيع برنامج الفعالية بعد ساعتين من توزيع تعميم رئيس الحكومة حول الأملاك العامة والأماكن الاثرية والسياحية. وهذا الإصرار قد أثار أكثر من تساؤل في الأوساط السياسية، التي تساءلت عن مغزى امعان "الحزب" في تحدّي الحكومة "الواقفة على شوار" الخيارات الصعبة.
فهذا التحدّي بين رئيس الحكومة بالتحديد وبين "حزب الله" ليس الأول ولن يكون الأخير. فما قام به اعلام "حارة حريك" من حملات مضادة ومسبقة ضد الرئيس نواف سلام على خلفية التعميم الأخير الذي أصدره يؤكد أن "المعركة" بينهما طويلة، خصوصًا بعدما استند الاعلام المتماهي مع خيارات "الحزب" إلى مراجع قانونية ودستورية تجيز له إقامة مثل هذه الفعالية من دون أن يكون قد خرق بذلك القوانين المرعية الاجراء.
وعلى رغم ما أثارته التحضيرات اللوجستية لإقامة هذا الاحتفال وفق البرنامج الذي وزعه "الحزب" من ردود فعل سياسية فإن التعليمات المعطاة للقوى الأمنية قضت بعدم الاصطدام مع معدّي الاحتفال، وذلك، وبحسب مصادر وزارية مواكبة لهذا التحرّك، درءًا لأي فتنة قد يستفيد منها أكثر من طابور خامس.
وفي الاعتقاد أنه إذا كسب "حزب الله" الرهان في سباق التحدّي هذه المرّة مع رئيس الحكومة يكون قد سجّل هدفًا في مرماه، التي ستحاول ترميم ما انكسر من هيبتها، وذلك خشية أن تتراكم الأهداف، التي يمكن أن تُسجّل تباعًا، وبالأخص في موضوع "حصرية السلاح".
فإذا نجح "حزب الله" في "تحدّي الروشة" فإن الباقي بالنسبة إليه يبقى أمرًا شبيهًا بـ "التحصيل الحاصل". وفي رأي كثيرين أن من يستطيع أن ينجح هنا في مقدوره أن يسجّل أكثر من "انتصار" هناك.
ويبقى السؤال الذي لا بدّ من طرحه بعد كل هذا: ماذا سيكون عليه موقف رئيس الحكومة تجاه من يطالبه بعدم المماطلة في تنفيذ ما يتخذه
مجلس الوزراء من قرارات؟
أمّا السؤال، الذي يجب أن يُطرح بقوة ايضًا فهو لقيادة "حزب الله" الرافضة تسليم السلاح، والمصرّة على "كسر" قرار رئيس الحكومة وعلى "كسر" هيبة الدولة: ماذا بعد الروشة"؟