في المشهد اللبناني الراهن، يبدو واضحًا أن "
حزب الله" يتعمد تحويل ذكرى اغتيال أمينه العام السيّد حسن
نصر الله إلى محطة سياسية تتجاوز الطابع الرمزي للحدث، لتتحوّل إلى رسالة داخلية وخارجية تؤكد أن الحزب بلغ مستوى متقدمًا من الترميم واستعادة القوة بعد مرحلة من الضغوط والتحديات. فالاحتفال هذا العام لا يُقاس بطابعه الخطابي أو الجماهيري فحسب، بل بما يعكسه من ثقة بالنفس وإصرار على تكريس واقع سياسي جديد يضع الحزب في موقع المبادر لا المدافع.
أحد أبرز المؤشرات على هذا التحول هو قرار إقامة أحد الاحتفالات في منطقة الروشة، وهي خطوة تحمل في طياتها أكثر من رسالة. فالروشة ليست مجرد مكان رمزي في قلب
بيروت، بل هي مساحة ذات دلالات سياسية وشعبية، واختيارها في هذا التوقيت بالذات يوحي بأن الحزب يريد القول إنه حاضر بقوته في عمق المشهد اللبناني، وأنه لم يعد يتعامل مع الضغوط الحكومية أو محاولات تعطيل قراراته بالطريقة السابقة. ف"الحزب" ما بعد تعطيل قرارات الحكومة، وما بعد مبادرة الشيخ نعيم
قاسم المرتبطة بالسعودية، ليس كما كان قبلها، إذ أصبح أكثر قدرة على فرض إيقاعه السياسي والتفاوضي من موقع القوة لا من موقع المراوغة أو التراجع.
هذا الواقع يعكس عودة ملموسة للتوازن في موقع الحزب، لا سيما بعد اشهر من الاستنزاف السياسي والأمني. ومع هذا التوازن المستعاد، يمكن توقع تبدلات حقيقية في الخارطة السياسية الداخلية، خصوصًا إذا ما قرر الحزب توسيع هامش حركته السياسية وفرض شروط جديدة في اللعبة الداخلية. وهذه التبدلات قد تعيد خلط الأوراق بين القوى
اللبنانية وتفتح الباب أمام مرحلة من التوترات السياسية وربما الأمنية، إذا ما شعر خصوم الحزب أن موازين القوى تنقلب بشكل غير محسوب.
لكن في المقابل، يبقى احتمال مختلف قائمًا، وهو أن يختار "حزب الله" تحويل هذا الزخم إلى فرصة لعقد تسوية حقيقية مع
المملكة العربية السعودية. فنجاح هذا السيناريو سيحمل تداعيات عميقة على الداخل اللبناني، ليس فقط لجهة الحد من التوترات، بل لأنه سيضع خصوم الحزب في موقف أضعف سياسيًا وشعبيًا، بعدما كانت علاقتهم بالرياض ورقة ضغط يعتمدون عليها في مواجهة نفوذه.
من هنا، فإن ما يجري اليوم لا يقتصر على إحياء ذكرى اغتيال
الأمين العام للحزب، بل هو لحظة سياسية مفصلية تحمل دلالات أوسع بكثير من طابعها الاحتفالي. فالحزب يعلن عمليًا عودته إلى مركز الفعل والتأثير، ويضع خصومه أمام واقع جديد. أما شكل المرحلة المقبلة فسيُرسم على ضوء مسار العلاقة مع
الرياض، التي قد تحدد ما إذا كان
لبنان مقبلًا على جولة جديدة من الاشتباك السياسي، أو على فرصة نادرة لإعادة صياغة التوازنات على أسس مختلفة.