في ظل تصاعد التحدّيات الأمنية في
الشرق الأوسط وجنوب آسيا، جاء الاتفاق الدفاعي بين
المملكة العربية السعودية وجمهورية باكستان في أيلول 2025 ليشكّل خطوة استراتيجية مهمة. يسعى الاتفاق إلى تعزيز القدرات العسكرية المشتركة وتأسيس نظام ردع إقليمي قادر على مواجهة التهديدات المحتملة. كما يمثّل هذا التحرك مؤشرًا على تحوّل ديناميات القوة في المنطقة، ويعكس رغبة البلدين في بناء تحالف مستقل يوازن النفوذ الإقليمي والدولي ويتيح لهما مرونة أكبر في صياغة سياساتهما الدفاعية والأمنية.
تأثير الضربة
الإسرائيلية على قطر في الاتفاق السعودي–الباكستاني
الضربة الإسرائيلية على قطر، والتي أسفرت عن تدمير منشآت استراتيجية وحركة دبلوماسية واسعة، أثارت مخاوف أمنية حقيقية لدى دول الخليج، خاصة
السعودية، من احتمال توسع أي تدخلات عسكرية أو تهديدات إقليمية. ويمكن تلخيص تأثيرها على الاتفاق الدفاعي بالاتي:
1. تعزيز الحاجة لشبكة دفاعية مستقلة
الهجوم على قطر أظهر حدود الحماية التقليدية المعتمدة على القوى الكبرى مثل
الولايات المتحدة، مما دفع السعودية إلى البحث عن شريك نووي واستراتيجي مثل باكستان لتوفير مظلة دفاعية مباشرة.
2. تسريع توقيع الاتفاق
الضربة الإسرائيلية على قطر كانت بمثابة عامل محفّز لتسريع المفاوضات، حيث رأت السعودية ضرورة وجود آلية دفاعية ملزمة مع باكستان للردع الفوري ضد أي تهديد مشابه في
المستقبل.
3. تعزيز البعد الاستراتيجي للتحالف الإسلامي
الهجوم أظهر الحاجة إلى تحالف إقليمي إسلامي مستقل قادر على حماية دول المنطقة دون الاعتماد على القوى الخارجية، ما يفسر توجه الاتفاق لاحقًا نحو إمكانية إشراك
تركيا ومصر في تحالف أمني موسع.
4. تغيير موازين القوة الإقليمية
الضربة الإسرائيلية أثبتت أن الأمن الإقليمي يمكن أن يتعرض لمفاجآت استراتيجية، وبالتالي أصبح تعزيز القدرات الدفاعية المشتركة بين السعودية وباكستان ضرورة حيوية لضمان الاستقرار الإقليمي.
إمكانات توسيع التحالف ليشمل تركيا ومصر
تدلّ المؤشرات إلى أن الاتفاق يمكن أن يكون أساسًا لتشكيل تحالف أمني إسلامي موسع يشمل تركيا ومصو، بناء على:
• القدرات العسكرية: السعودية بأسلحتها الحديثة، باكستان بالسلاح النووي، تركيا بعضويتها في الناتو وتجهيزاتها المتقدمة، ومصر بأكبر جيش عربي.
• التنسيق الاستراتيجي: يشمل توحيد الجهود لمواجهة التحديات المشتركة، تبادل المعلومات الاستخباراتية، وإجراء تدريبات عسكرية مشتركة.
• تأثير التحالف على الأمن الإقليمي والدولي: سيعزز الأمن الداخلي للدول الأعضاء ويزيد من القدرة على الردع، لكنه قد يعيد تشكيل العلاقات مع القوى الكبرى مثل الولايات المتحدة وروسيا.
البُعد الاقتصادي للاتفاق
- الاستثمارات المباشرة والمشاريع المشتركة
يُتوقع أن يشمل الاتفاق إقامة مشاريع مشتركة في مجال الصناعات الدفاعية، بما في ذلك تصنيع الأسلحة الخفيفة، أنظمة الدفاع الجوي، والصواريخ الباليستية، ما يتيح للسعودية تقليل اعتمادها على الاستيراد العسكري من الخارج، ويمنح باكستان عائدات مالية كبيرة من تصدير التكنولوجيا والخبرات العسكرية. وقد يفتح الاتفاق المجال أمام السعودية لزيادة استثماراتها في باكستان، خصوصًا في مشاريع البنية التحتية، محطات الطاقة، والمناطق الاقتصادية الخاصة. هذا التعاون يعزز النمو الاقتصادي في باكستان ويوفر فرص عمل جديدة، بينما يوفر للسعودية أسواقًا جديدة لمنتجاتها وخدماتها.
- التبادل التجاري
يُتوقع أن يؤدي الاتفاق إلى فتح أسواق سعودية جديدة للمنتجات الباكستانية، خاصة الزراعية والصناعية، ما يسهم في تحسين ميزان التجارة بين البلدين. ويمكن للاتفاق أن يشجع على تطوير آليات مشتركة لتسهيل التبادل التجاري، مثل التسهيلات الجمركية، المعارض المشتركة، وتطبيق معايير الجودة الموحدة.
- الصناعات الدفاعية والتكنولوجيا
يمكن للاتفاق أن يدعم إنشاء مصانع ومراكز تصنيع مشتركة بين السعودية وباكستان، مما يسهم في نقل التكنولوجيا وتوطين الإنتاج العسكري في المنطقة. ويشمل التعاون تطوير الطائرات بدون طيار، الذكاء الصناعي في مجالات الدفاع، وأنظمة الرادار والمراقبة، ما يزيد من قدرات البلدين على الابتكار العسكري، ويخلق قيمة اقتصادية مضافة.
خاتمة
يشكل الاتفاق الدفاعي السعودي–الباكستاني نموذجًا للتعاون الإقليمي الاستراتيجي متعدد الأبعاد، يعزز قدرة الدولتين على مواجهة التحديات الأمنية والاقتصادية. كما يفتح آفاقًا للتكامل مع شركاء محتملين، ويبرز أهمية التحالفات المستقلة في إعادة رسم التوازنات الإقليمية، مع التأثير المحتمل على الدور التقليدي للولايات المتحدة في المنطقة وتعزيز أهمية الاستراتيجيات الذاتية للأمن والاستقرار الإقليمي.