يواصل حزب الله في الأسابيع الأخيرة العمل بخطى ثابتة على إعادة تمتين حضوره السياسي والإعلامي في الداخل اللبناني، مستفيدًا من الزخم الشعبي الذي لا يزال يتمتع به رغم كل التحولات التي شهدتها الساحة الداخلية خلال العام الماضي.
فبعد الحرب
الإسرائيلية الأخيرة التي انعكست بشكل واضح على حجم حضوره ودوره في الداخل، بدا أن الحزب دخل مرحلة جديدة يسعى من خلالها إلى ترميم صورته واستعادة موقعه كقوة وازنة في المعادلة
اللبنانية.
الايام الماضي شكّل محطة مهمة في هذا المسار، إذ رصدت الأوساط السياسية سلسلة من الخطوات والمواقف التي أعادت تسليط الضوء على دور الحزب، وأعطته دفعة جديدة في المشهد السياسي. أبرز هذه
المحطات ما جرى في ملف "صخرة الروشة" وتداعياته، والذي اعتُبر من قبل المراقبين إنجازًا سياسيًا نوعيًا للحزب، ليس بحجمه المباشر أو تأثيره الآني، بل لأنه شكّل رمزًا لاستعادة التوازن السياسي الذي اختلّ في مرحلة ما بعد الحرب، وأعاد إلى الحزب شيئًا من
الهيبة التي تأثرت بفعل التطورات الميدانية والسياسية التي رافقت تلك المرحلة.
وإذا كان الحزب قد اختار أن يتعامل مع هذا الملف بدقة وهدوء، إلا أن طريقة إدارته له وما تبعها من مواقف سياسية وإعلامية أظهرت أن "الحزب"يسعى بوضوح إلى تكريس نفسه مجددًا كلاعب أول على الساحة الداخلية. هذا المسعى لا يقتصر على الجانب السياسي فحسب، بل يتعداه إلى إعادة ترميم العلاقة مع جمهوره ومحازبيه، واستعادة القدرة على التأثير في الشارع من موقع القوة لا رد الفعل.
في هذا السياق، تشير مصادر مطّلعة إلى أن ما تحقق في الأسابيع الماضية لم يكن مجرد صدفة، بل جاء نتيجة تخطيط واضح من قيادة الحزب التي قررت أن الوقت قد حان للعودة بقوة إلى الداخل، بعد مرحلة تركّز فيها الاهتمام على الجبهات الخارجية. وتلفت هذه المصادر إلى أن الدعم
الإيراني المستمر يلعب دورًا مهمًا في هذا الإطار، خصوصًا مع الزيارات المتكررة التي يقوم بها المبعوث الإيراني علي لارجاني إلى
بيروت، والتي تحمل في طياتها رسائل سياسية واضحة والتزامات إيرانية بدعم الحزب في المرحلة المقبلة.
كل هذه المعطيات تشير إلى أن حزب الله دخل فعلًا مرحلة جديدة في مسيرته الداخلية، عنوانها الأبرز إعادة الإمساك بخيوط اللعبة السياسية من جديد وترسيخ الحضور الشعبي والإعلامي الذي يشكّل رافعة أساسية لأي دور سياسي فاعل. ومع أن التحديات لا تزال كثيرة، إلا أن ما تحقق حتى الآن يشي بأن الحزب يسير بخطى مدروسة نحو استعادة مكانته في الداخل اللبناني، مستفيدًا من كل فرصة متاحة لتحويل أي حدث – ولو كان محدودًا – إلى مكسب سياسي يعزز حضوره ويثبّت مواقعه في معادلة السلطة والنفوذ.