تبدو واشنطن في مقاربتها للملف اللبناني وكأنها تخطو خطوة إلى الوراء. فالاهتمام الأميركي لم يعد كما كان، بل تراجع إلى مستوى المتابعة المشروطة. فزيارة الموفدة الأميركية مورغان أورتاغوس المرتقبة إلى
بيروت، للمشاركة في لجنة مراقبة وقف إطلاق النار، تأتي كترجمة واضحة لهذا المسار المتمثل في حضور تقني أكثر منه سياسي، ويهدف إلى التقييم والمحاسبة، لا إلى فتح آفاق جديدة.
انعكس هذا التراجع في الزخم الأميركي بوضوح خلال اجتماعات
الأمم المتحدة في نيويورك. فالرئيس السوري أحمد الشرع حطي بلقاء مباشر مع الرئيس الأميركي
دونالد ترامب. وتكمن المفارقة في أن واشنطن تبدو وكأنها تعطي وزناً أكبر لسوريا مقارنة بلبنان الذي لم يعد يتصدر أجندة الاهتمام
الغربي.
الرسائل الأميركية حملها
وزير الخارجية ماركو روبيو في لقائه مع الرئيس اللبناني، حيث تحدث بلغة دبلوماسية عن دعم قيام دولة قوية قادرة على ممارسة سيادتها، لكنه لم يخف الجوهر الصلب، فلا مستقبل لأي دعم من دون حسم مسألة السلاح. وقال الموفد الأميركي توم براك بوضوح أكبر:
الولايات المتحدة ليست ضامناً لاتفاق وقف إطلاق النار، وإسرائيل ترى أن
حزب الله أعاد بناء ترسانته العسكرية. وهنا تظهر دلالة أساسية مفادها بحسب مصادر أميركية أن واشنطن لا تعارض من حيث المبدأ دعم الجيش لكنها تشترط أن كل دعم مستقبلي مرهون بقدرة
الدولة على نزع سلاح الحزب، علما ان براك أشار إلى أن الولايات المتحدة لن تسلّح الجيش لا لمواجهة
إسرائيل ولا لخوض حرب أهلية مع حزب الله. وتشير المعلومات إلى وجود تباينات داخل الإدارة الأميركية حول تقييم خطة الجيش، مع بروز اتجاه يدفع نحو التراجع عن دعم المؤسسة العسكرية إذا استمرت حالة المراوحة في ملف السلاح، والدعم الخارجي سواء
الاميركي او الغربي او العربي ليس مطلقاً، بل قابل للتراجع والانحسار إذا ظلّ ملف السلاح في دائرة المراوحة.
وعليه، فإن الخطوة المقبلة ستكون بانتظار تقرير الجيش في الخامس من تشرين الأول، لتقويم الخطة الحكومية الخاصة بسحب السلاح. لكن التباين داخل الإدارة الأميركية حيال جدوى هذه الخطة يشي بإمكان تحول الدعم إلى ورقة ضغط إضافية، خصوصاً إذا اعتبرت واشنطن أنّ المؤسسة العسكرية عاجزة عن تنفيذ وعودها.
في هذه اللحظة يبرز خطر أن يترك
لبنان في فراغ استراتيجي بالتوازي مع تلويح إسرائيل بالتدخل العسكري. فالموقف
الإسرائيلي كما نقلته هيئة البث
الإسرائيلية يفتح باب المخاطر على مصراعيه بإشارتها إلى أن إسرائيل قد تتدخّل مباشرة. غير أن مصادر حكومية لبنانية تشدد على أن تل أبيب غير معنية بالمبادرات الأميركية الجزئية، بل تبحث عن تفاوض سياسي مباشر مع لبنان، وهو أمر مستحيل.