في لبنان، أصبحت عبارة "الله يشفيك" تتردد يوميًا على ألسنة الناس، تعبيرًا عن القلق المستمر من حالات التسمم، الأمراض، والفيروسات التي تفتك بنا وبأقاربنا. الواقع الصحي في البلاد بات مقلقًا، فالمياه ملوثة، والخضار والفاكهة غير آمنة. في ظل هذا الوضع، كيف ستكون صحة المواطنين في بلد يفتقر إلى مقومات الصحة الأساسية؟
منذ فترة، أجرت
منظمة الصحة العالمية (WHO) بالتعاون مع
وزارة الصحة العامة دراسة أظهرت أن 60% من مياه الأنهار في لبنان تحتوي على مستويات عالية من بكتيريا E. coli، وهي بكتيريا تشير إلى تلوث المياه بالبراز
البشري أو الحيواني، ما يجعلها غير صالحة للشرب أو
الري دون معالجة ويزيد من خطر الإصابة بالأمراض المعوية.
لكن، الأمر الأكثر خطورة اليوم، بحسب الدراسات الحديثة، هو ارتفاع معدلات السرطان في لبنان.
فقد نشرت مجلة The Lancet الطبية دراسة شاملة شملت 204 دول، وقيّمت معدلات الإصابة والوفيات الناجمة عن 47 نوعًا من السرطان بين عامي 1990 و2023.
الدراسة، التي أعدّها أكثر من ألفي باحث، أشارت إلى أن السرطان أصبح ثاني سبب للوفيات عالميًا بعد أمراض القلب والأوعية الدموية. وبعد تصحيح النتائج وفق عامل العمر، تبيّن أن لبنان سجّل أعلى زيادة في كل من الحالات والوفيات خلال 33 عامًا بنسبة بلغت 80%، واحتّل المرتبة الأولى عالميًا بمعدلات السرطان.
من جانبه، كشف
وزير الصحة، الدكتور ركان
ناصر الدين، في تصريحات سابقة أن الوزارة تصرف شهريًا حوالي 7 مليون دولار أميركي على أدوية السرطان، واصفًا الوضع بالمخيف.
بحسب المراقبين والخبراء الصحيين، يُعد التلوث البيئي أحد أبرز العوامل المؤثرة في ارتفاع معدلات السرطان في لبنان.
فدخان المولدات الكهربائية تنبعث منه غازات ضارة تؤثر على الجهاز التنفسي وتزيد خطر الإصابة بأنواع مختلفة من السرطان، بينما غياب الرقابة الصحية يسمح بانتشار المواد الضارة في الغذاء والمياه دون متابعة صارمة.
كما أن تلوث المياه نتيجة تصريف المخلفات الصناعية والمنزلية ترفع احتمالات الإصابة بالأمراض المزمنة والسرطانات.
كذلك فان استخدام
المواد الكيميائية في الزراعة، مثل المبيدات والأسمدة الصناعية، يترك آثارًا على الخضار والفواكه قد تكون مسرطنة عند التعرض طويل الأمد.
بالإضافة إلى ذلك، تتسبب النفايات المكدّسة في الطرقات والمصانع العاملة بلا فلاتر مناسبة بإطلاق ملوثات كيميائية في الهواء والتربة، فيما الغذاء غير المراقب، مثل اللحوم التي تُباع دون فحص جودة، قد يحتوي على مواد ضارة تزيد من احتمالات الإصابة بالسرطان.
لبنان، البلد الذي لطالما تميّز بالفن والثقافة والإنجازات المتكررة، أصبح اليوم يتصدّر قائمة أكثر الدول معاناة من أخطر الأمراض. يوميًا، نسمع مطالبات عاجلة بوضع خطة تحدّ من التلوث الكارثي الذي يهدد صحة المواطنين ويزهق أرواحهم دون أي نتيجة. فإلى متى سيبقى المواطن يدفع فاتورة إهمال وتقاعس الدولة ووزاراتها عن القيام بواجباتها؟