كتب الخبير الدستوري والقانوني سعيد مالك في "نداء الوطن": بموجب القرار رقم 59 تاريخ 16/6/2025 تشكّلت لجنة وزارية سُداسية لِدَرس قانون الانتخاب، ورفع تقرير بأعمالها إلى
مجلس الوزراء.
وبتاريخ 8/7/2025 خلصت اللجنة المذكورة وفي تقريرها، أن السلطة التنفيذية لا تملك الصلاحية التشريعية لاستكمال التشريع في قانون الانتخاب، كَون القانون تعتريه النواقص وبحاجة إلى تدخل المشترع. واقترحت اللجنة بالخُلاصة تحضير مشروع قانون من الحكومة لإلغاء أو تعليق المواد المتعلّقة بالمقاعد الستة المُخصّصة للمغتربين، أو لاستكمال نواقص القانون، حتى تتمكّن الحكومة من إصدار المراسيم اللازمة.
وعليه، عُقدت جلسة للحكومة بتاريخ 16/9/2025، وعوض إرسال مشروع قانون مُعجّل مُكرّر إلى مجلس النواب، قرّرت تكليف معالي
وزير الداخلية للتواصل مع اللجنة الفرعية لعرض العقبات والعوائق.
وبذلك ارتكبت الحكومة هفوةً في مُقاربة هذا الملف. فالتخاطُب بين السلطتين التشريعية والتنفيذية لا يحصل عبر زياراتٍ اجتماعية، إنّما عبر مشاريع قوانين.
علماً، أن إرسال مشروع قانون مُعجّل إلى المجلس النيابي، يولي الحق لرئيس الجمهورية بعد مضي أربعين يومًا من طرحه على المجلس وتلاوته دون البت به، أن يُصدِر مرسومًا قاضيًا بتنفيذه بعد موافقة مجلس الوزراء.
مع الإشارة، إلى أنّ هذه المادة أُضيفت إلى
الدستور بموجب التعديل الدستوري تاريخ 17/10/1927. وكان صاحب هذا الاقتراح يومها النائب الراحل شبل دموس وذلك ثابتٌ في محضر جلسة 14/10/1927.
وثمّة مَن يَسأل، لماذا إحالة مشروع قانون بصفة مُعجّل، وما الفائدة من ذلك، ما دام رئيس المجلس هو مَن يتحكّم في إدراج هذا المشروع على جدول الأعمال مِن عَدَمِه، بالتالي هو مَن يُطلق مهلة الأربعين يومًا المنصوص عنها في المادة 58 من الدستور، وهو مَن يتحكّم بمفاصل اللعبة؟
وعلى هذا السؤال نُجيب، أن عدم إدراج رئيس المجلس النيابي مشروع القانون المُعجّل على جدول أعمال أوّل جلسة تشريعية، فيه انتقاصٌ مِن حق دستوري ممنوح للحكومة، بإعطاء صفة العجلة لأي مشروع قانون. وهذا ما أكّده رئيس الحكومة آنذاك الدكتور سليم الحُصّ، في الجلسة التي عُقِدَت لتعديل الدستور بتاريخ 21/8/1990. علمًا، أنّ مجلس النواب لا يُمكنه التعرُّض لصفة الاستعجال التي تُقرّرها الحكومة، أي أنه لا يحّق له رفع أو نزع صفة الاستعجال عن مشروع القانون، كما يُمكنه أن يفعل مع اقتراحات القوانين (الفقرة الأخيرة من المادة 105 من النظام الداخلي لمجلس النواب).
لذلك، كان مِن الأجدى على الحكومة إحالة مشروع قانون معجّل إلى المجلس النيابي لإلغاء أو تعليق المواد والمومأ إليها أعلاه. علمًا أنّ وزراء "القوّات
اللبنانية"، كذلك وزير "الكتائب"، كانوا مع هذا التوّجُه. والمُلفِت أنّ وزراء "القوّات اللبنانية" كانوا قد اصطحبوا معهم إلى الجلسة الحكومية، مسوّدة مشروع قانون مُعجّل بهذا الخصوص، وزعوها على رئيس الحكومة والوزراء والإعلام.
أمّا اليوم، ومع ثبوت توجّه رئيس مجلس النواب إلى مُصادرة هذا الاستحقاق وعدم فكّ أسره. ومع ثبوت أنّ إرجاء الانتخابات سيضرب صورة الدولة والعهد والحكومة. ومع ثبوت قرار "الثُنائي" وغيره مِن المُستفيدين بترحيل هذا الاستحقاق. أصبح لا بُدّ لرئيس الحكومة مِن تحمُّل مسؤولياته الدستورية، وبات من الضروري أن تتكاتف الحكومة مع سيّد
العهد ورئيس الحكومة، لإنقاذ هذا الاستحقاق. فالكُرةُ في مرمى الحكومة، فلا تجعلوا التعطيل مسؤوليّتكم. وواجبكم يفرض عليكم إنقاذ الانتخابات.
بالتالي، يُفترض على الحكومة وفي أوّل جلسةٍ تعقدها، إدراج بند الانتخابات النيابية العامة على جدول أعمالها، وتحضير مشروع قانون مُعجّل بإلغاء أو تعليق نفاذ المواد ذات الصِلة. ونحن بالانتظار.
وفي حديث الى "الانباء الكويتية" قال مالك: "من الثابت والأكيد أن
رئيس مجلس النواب نبيه بري خالف عبر رفضه إدراج اقتراح القانون المعجل والمكرر على جدول اعمال الجلسة التشريعية نص المادة 109 من النظام الداخلي لمجلس النواب، وهي بالتالي مخالفة موصوفة إضافة إلى اقترانها بمخالفته أيضا نص المادة 112 من النظام الداخلي للمجلس، والذي يفرض إعطاء الصلاحية العامة للنواب لمناقشة صيغة المعجل المكرر المقدمة وفقا للأصول، ضمن أي اقتراح قانون يتقدم به النواب أيا يكن موضوعه وأيا تكن الغاية منه".
وتابع مالك : "هذا يعني ان الرئيس
بري اختصر واختزل صلاحية الهيئة العامة لمجلس النواب بشخصه، نتيجة إحالته دون أي مسوغ مشروع اقتراح القانون المقدم من تكتل الجمهورية القوية إلى اللجان المشتركة، لاسيما إلى اللجنة الفرعية المخصصة لدراسة سائر اقتراحات قوانين الانتخاب".
وأضاف: "صحيح ان مجلس النواب سيد نفسه، الا ان السيادة على الذات لا تعطي رئاسة المجلس الحق بارتكاب المخالفات الدستورية والقانونية أو التصرف بالنظام الداخلي بما تمليه عليه مصالحه السياسية والشخصية ومصالح حلفائه ضمن الثنائية الشيعية وخارجها، خصوصا انه لا توجد جهة دستورية صالحة للبت بالمخالفات، باستثناء إمكانية مساءلته سياسيا من قبل النواب، وشعبيا في صناديق الاقتراع".