كتب حمزة الخنسا في" الاخبار": لم تكتفِ
فرنسا بالمشاركة التقليدية في اليونيفيل ، بل وضعت ثقلها لتشكيل وقيادة قوة احتياط القائد العام (FCR). وبحسب ورقة عمل لـ«مركز الاتحاد للأبحاث والتطوير»، فإن هذه الوحدة ليست كباقي
الكتائب المُقيّدة بقطاع جغرافي محدّد (القطاع الشرقي أو الغربي)، بل هي قوة النخبة للتدخل السريع مع ترسانة متطوّرة وقدرات نوعية، تخضع مباشرة لسلطة القائد العام لليونيفل، ومهمتها التحرك في أي بقعة ضمن منطقة العمليات لمواجهة أي طارئ أو دعم أي وحدة أخرى. هذا الموقع الاستثنائي منح الكتيبة
الفرنسية ميزتين أساسيتين: حرية الحركة المطلقة، وطبيعة المهام الاستباقية.
وعلى عكس الكتائب الأخرى التي تحتاج إلى عمليات تنسيق معقّدة للخروج من قطاعها، تمتّعت الـ«FCR» بتفويض مفتوح للتجوّل في كل قرى ووديان الجنوب، من الناقورة إلى شبعا. وبحسب ورقة العمل، فإن هذه الميزة الهيكلية هي التي تفسّر قدرتها على الظهور بشكل مفاجئ في أماكن غير متوقّعة، بعيداً عن المسارات الروتينية، خصوصاً أن دورها كقوة تدخّل سريع أصبح يعني أن مهامها لم تعد مجرد دوريات مراقبة، بل أصبحت عمليات استباقية ونوعية، لها أسماء محددة مثل (KEMMEL- MONTERO - CEILLAC)، والتي كان هدفها المعلن «تطهير» المناطق من الذخائر وكشف الأنفاق ومخابئ الأسلحة التابعة للمقاومة.
وجود ضابط فرنسي في هذا الموقع يمنح
باريس نفوذاً مركزياً من خلال توجيه العمليات (رسم خطط الدوريات والعمليات الخاصة) والتحكّم بالمعلومات وتجاوز التسلسل الهرمي، ما يساعد في إهمال انقسام الآراء هو أداء هذه القوة، والذي يعزّزه وجود 30 ضابطاً فرنسياً ضمن عديد المقر العام لليونيفل في الناقورة، ما يهمّش دور ضباط من جنسيات أخرى. وبذلك، أعادت فرنسا تشكيل دورها في
جنوب لبنان، إذ لم تعد مجرد مشارك، بل أصبحت القوة الأكثر نفوذاً وقدرة على الحركة، وهو ما مهّد الطريق للمرحلة التالية من «التجاوزات» الممنهجة التي أصبحت السمة الأبرز لسلوكها على الأرض.
بعد أن رسّخت الكتيبة الفرنسية موقعها كقوة ضاربة داخل «اليونيفل»، بدأت بترجمة هذا النفوذ إلى ممارسات ميدانية مثيرة للجدل، تحوّلت مع مرور الوقت إلى نمط سلوكي ممنهج. لم تعد الاحتكاكات مع الأهالي حوادث معزولة، بل أصبحت نتيجة حتمية لاستراتيجية فرنسية تقوم على فرض «حرية الحركة» كغطاء قانوني لأنشطة استخباراتية، متجاهلة للجيش اللبناني بوصفه الشريك الأساسي على الأرض، علماً أن التعديلات كانت فُرضت بضغط أميركي - إسرائيلي على قرار تجديد ولاية القوات الدولية في عام 2022 (القرار 2650)، وهي السلاح القانوني الذي استخدمته الكتيبة الفرنسية لتبرير تجاوزاتها.
في النتيجة، يصبّ مجمل السلوك الممنهج للكتيبة الفرنسية في جنوب
لبنان بشكل مباشر في مصلحة العدو
الإسرائيلي. فمن خلال المنظومة المتكاملة التي بنَتها داخل «اليونيفل»، تساهم فرنسا بشكل يومي وفعّال في بناء وتحديث «بنك الأهداف» الإسرائيلي من الأرض وعبر الجو، من خلال العمل على التأكيد على المواقع الحساسة التي يعجز العدو عن الوصول إليها، وجمع المعلومات البشرية (HUMINT)، ورسم خرائط الانتشار. وفي إطار اختبارها لجاهزية
المقاومة وردود فعلها، فإن دورياتها «الاستفزازية» غير المنسّقة مع الجيش باتت أشبه بـ«بالون اختبار» منخفض التكلفة للعدو، إذ يمكن من خلالها مراقبة مؤشّرات حيوية للمقاومة مثل سرعة الاستجابة وطبيعة الرد.