يترقب اللبنانيون اليوم انعقاد جلسة
مجلس الوزراء في قصر بعبدا، في ظل مناخ سياسي مشحون وملفات شائكة تحمل في طياتها احتمالات التصعيد. فالجلسة المنتظرة تأتي على وقع توتر متراكم منذ "فعالية الروشة" وما أثارته من تداعيات سياسية وشعبية، لتتحول من مجرد جلسة روتينية إلى محطة اختبار للعلاقة بين مكونات الحكومة، وللتوازنات التي تحكمها في مرحلة دقيقة تتقاطع فيها الأزمات الداخلية مع التحولات الإقليمية الجارية.
في المضمون، تتصدر جدول الأعمال ثلاثة ملفات حساسة: تقرير الجيش بشأن خطة حصر السلاح، متابعة قضية صخرة الروشة، وملف جمعية "رسالات" الذي بات عنواناً لمواجهة سياسية مفتوحة بين رئيس الحكومة نواف سلام من جهة، و"الثنائي الشيعي" من جهة أخرى الذي يعتبر ان ملفها إداري ويعالج بالأطر الإداريّة في حين أن رئيس الحكومة ماضٍ في خيار طرح موضوع "رسالات" على طاولة المجلس، رغم كل الوساطات التي جرت لتأجيل النقاش.
ويعتبر الرئيس سلام، أن المسألة تتجاوز البعد الإداري لتلامس مبدأ هيبة الدولة وقدرتها على فرض القواعد على جميع القوى من دون استثناء. لكنه، في المقابل، يصطدم برغبة واضحة لدى رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون في احتواء التوتر، تفادياً لانقسام وزاري أو انفجار سياسي في وجه الحكومة الوليدة. فالرئيس يفضّل تأجيل طرح الملف إلى نهاية الجلسة، أو حتى ترحيله، تجنباً لأي خطوة قد تُفسّر كاستهداف مباشر لحزب الله، وهو ما يمكن أن يدفع وزراء "الثنائي الشيعي" إلى الانسحاب من الجلسة أو تعليق مشاركتهم في الحكومة.
هذه الهواجس تتغذى من قناعة راسخة لدى الثنائي بأن عدداً من بنود جدول الأعمال الأخيرة تحمل في طياتها محاولات متكررة لممارسة ضغط سياسي عليهما. ولذلك، فإن أي إصرار من رئيس الحكومة على تمرير قرار حل الجمعية سيُقرأ في عين "الحزب" كرسالة تحدٍّ لا يمكن السكوت عنها، ما يعيد إلى الواجهة شبح أزمة حكومية جديدة.
أما التقرير الذي سيقدّمه الجيش أمام مجلس الوزراء، فيُفترض أن يشكّل أول تقييم رسمي منذ إقرار خطة الحكومة لضبط السلاح خارج إطار الدولة. ووفقاً لمطلعين، فإنّ مضمون التقرير يعكس مقاربة واقعية تقوم على مبدأ "الاحتواء الميداني" لا المواجهة، أي السعي إلى منع انتقال السلاح أو إدخال تجهيزات جديدة، بدلاً من الانزلاق إلى أي اشتباك مباشر مع
حزب الله. هذه المقاربة تعبّر عن إدراك المؤسسة العسكرية لحساسية الواقع اللبناني، حيث يصعب تطبيق أي خطة أمنية بمعزل عن التفاهمات السياسية والتوازنات الإقليمية المحيطة.
وتشير المعلومات إلى أنّ "حزب الله" على بيّنة من الخطوط العريضة للتقرير الذي سيعرضه قائد الجيش العماد رودولف هيكل اليوم، خصوصاً أنّ لقاءً جمعه أخيراً برئيس كتلة "الوفاء للمقاومة" النائب محمد رعد عقب فعالية الروشة، جرى خلاله البحث في عدد من
القضايا، والتأكيد على أهمية التنسيق والتعاون بين الجانبين لضمان الاستقرار ومنع أي تصعيد غير محسوب.
وسط ما تقدم ، تزداد تعقيدات المشهد مع تداخل الملفات الداخلية بالتطورات الإقليمية المتسارعة، إذ تترقب الأوساط السياسية والعسكرية ما ستؤول إليه الخطة التي يقودها الرئيس الأميركي
دونالد ترامب لإنهاء الحرب على غزة، باعتبارها مفتاحاً لإعادة ترتيب التوازنات في المشرق برمّته، حيث تنطلق اليوم من شرم الشيخ، الجولة الأولى من المفاوضات بين العدو
الإسرائيلي وحركة حماس بمشاركة الوسطاء المصريين والقطريين، إضافة إلى المبعوث الأميركي الخاص ستيف ويتكوف، وصهر الرئيس الأميركي جاريد كوشنر، فنجاح
واشنطن في تثبيت وقف دائم لإطلاق النار قد يفتح الباب أمام مرحلة تهدئة أوسع تمتد إلى
لبنان، تسمح بتخفيف التوترات وضبط الإيقاع الأمني على الحدود الجنوبية، لكن في المقابل، تسود قراءات أكثر تشاؤماً ترى أن
إسرائيل، بعد طي صفحة غزة، ستنقل ثقلها العسكري نحو الجبهة
اللبنانية، ساعية إلى استثمار الزخم الدولي لفرض وقائع جديدة شمال الليطاني، عبر تكثيف الضربات الجوية على مواقع تعتبرها مرتبطة بحزب الله. وتستند هذه القراءة إلى قناعة بأن تل أبيب، بعدما استنزفت خياراتها في القطاع، باتت ترى في الساحة اللبنانية المجال الوحيد المتاح لتثبيت معادلة ردع جديدة. ويذهب بعض المراقبين إلى أبعد من ذلك، معتبرين أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يبحث في الواقع عن معركة إنقاذ سياسي، وفتح جبهة محدودة مع لبنان قد يشكّل بالنسبة إليه مخرجاً من أزمته.
في ضوء ذلك، تبرز الحاجة الملحّة، وفق مصادر سياسية، إلى مقاربة سياسية متأنّية وقرارات محسوبة بدقّة، تجنّب البلاد الانزلاق نحو مواجهة تفوق قدراتها. فكل خطوة غير مدروسة قد تستغلّ من قبل إسرائيل لتبرير التصعيد، في حين أن أيّ تصدّع في الموقف الحكومي أو الوطني سيمنح خصوم لبنان فرصة إضافية لفرض شروطهم. من هنا، تبدو مسؤولية السلطة مضاعفة في الموازنة بين ضرورات الصمود ومتطلبات ضبط النفس، إذ إنّ أخطر ما يمكن أن يواجهه لبنان في هذه المرحلة هو الوقوع في فخّ الاستفزاز الإسرائيلي أو الانقسام الداخلي المتجدّد ،وهو ما يسعى رئيس الجمهورية، بحسب المتابعين، إلى تفاديه عبر ضبط الإيقاع السياسي ومنع أي انزلاق غير محسوب.