مرّة أخرى، تتّجه الأنظار إلى جلسة
مجلس الوزراء المقرّرة اليوم في القصر
الجمهوري، بسبب جدول أعمالها الذي يتصدّره التقرير الأول لقيادة الجيش حول تنفيذ خطة "حصرية السلاح بيد الدولة" التي أقرّتها الحكومة في الخامس من أيلول الماضي، وسط توقّعات بمشاركة جميع الوزراء، بمن فيه الوزراء الشيعة، بمعنى عدم تكرار مشهديّة مقاطعة الجلسة التي كادت تطيح بالحكومة، في توقيت حسّاس ومفصليّ.
وتكمن أهمية هذه الجلسة الرمزية أيضًا في توقيتها، إذ بدأ في الأيام الماضية يلوح مسار دعم خارجي مباشر للمؤسّسات الأمنية، مع الإعلان عن مساعدات أميركية غير مسبوقة خُصّصت للجيش ولقوى الأمن الداخلي، وُضعت في سياق تعزيز قدرة
الدولة على تنفيذ الخطة وإدارة الأمن الداخلي والحدود، ما يجعل اختبار جلسة اليوم مزدوجًا: قدرة الحكومة على تثبيت مسار الحصرية، وقدرة المؤسّسات على ترجمة الدعم إلى إجراءات ملموسة على الأرض.
وعشيّة الجلسة، أعاد رئيس الحكومة نواف سلام تثبيت معادلة "لا درء للفتنة على حساب تطبيق القانون"، رابطًا مشروعية التهدئة باحترام مبدأ المساواة أمام القانون واحتكار الدولة للسلاح، في رسالة تبدو موجّهة إلى الداخل والخارج معًا، وردًا على حملات سياسية تطاوله. فكيف ستنعكس هذه اللهجة القانونية ـ المؤسسية على الجلسة الحكوميّة، وأيّ سيناريوهات تنطوي عليها، وهل يكون التصعيد السياسي أحدها؟!
"جلسة تقويمية" تُثبّت المسار وتؤجّل الاشتباك
تميل المعطيات العلنية إلى توصيف الجلسة باعتبارها "تقويمية": عرض شهري من
قيادة الجيش لما أُنجز في تنفيذ الخطة، بما في ذلك إعادة الانتشار جنوبًا بالتنسيق مع "يونيفيل" في أكثر من 120 موقعًا، مع إبقاء
النقاش السياسي في حدوده الدنيا وتجنّب القرارات الخلافية. ويقول العارفون إنّ هكذا مقاربة تمنح الوزراء مساحة "سماع" وتدوين ملاحظات، وتستفيد من مناخ "لا نية للتصعيد" الذي أشارت إليه مواقف متقابلة في الساعات الماضية.
في هذا السيناريو، يركّز سلام على حرفية جدول الأعمال: تقرير الجيش أولًا، ثم بنود إدارية واقتصادية معتادة، مع التحفّظ عن أي صياغات سياسية قد تُقرأ استهدافًا مباشرًا لـ"
حزب الله". وبالتزامن، فإنّ المشاركة الشيعية الكاملة، إن تأكّدت، ستُسوّق باعتبارها "ضمانة" لشرعية القرارات وتخفيفًا لحدّة الاستقطاب، من دون أن تُلزم الطرف المعني بتنازلات نصّيّة حول السلاح خارج الإطار الزمني/التنفيذي الذي يقوده الجيش.
وفي النتيجة، فإنّ مكسب الحكومة هنا مزدوج: تثبيت انتظام عمل المؤسّسات بعد أسابيع من التوتّر، واستثمار حِزمة الدعم الأمني والرسائل الدولية المتصلة بها في تظهير قدرة الدولة على الالتزام بخطتها. في المقابل، يُتاح لـ"حزب الله" أن يمرّر الجلسة من دون اشتباك مفتوح، مستندًا إلى توصيف "تقويمي" لا يُنتج قرارات ضاغطة فورًا، ويؤجَّل النقاش السياسي التفصيلي إلى جولات لاحقة.
سيناريو "الاشتباك المضبوط"
إلى جانب هذا السيناريو "الهادئ" للجلسة، ثمّة سيناريو آخر متداول، وهو يفترض أن يتحوّل
العرض التقني لتقرير الجيش إلى نقاش سياسي حول فلسفة "الحصرية" وحدودها، خصوصًا إذا تضمّن العرض إشارات إلى ما "تسلّمه" الجيش أو ما يُنتظر تسلّمه، أو إذا طُرحت أسئلة تتصل بتوقيت وإيقاع الإجراءات في بيئات حسّاسة. هنا قد يطلب وزراء أو كتل ملاحظات تدوَّن في المحضر، أو صياغة "أخذ علم" ملتبسة المعنى، بما يفتح الباب أمام سجال علني جديد.
في هذا المناخ، يقول العارفون إنّ سلام سيجد نفسه متشدّدًا في لغة القانون التي كرّرها مؤخرًا ("جيش واحد، قانون واحد، لا أحد فوق المساءلة")، فيما يسعى ممثّلو القوى المتحسّسة من عنوان الحصرية إلى الحدّ من "التسييس" وإبقاء العرض في حدّه التقني. وبالتالي، فإنّ تعبيرات "لا نية للتصعيد" التي يكرّرها وزراء "
الثنائي"، قد تتحوّل إلى "اشتباك مضبوط": رفع سقوف خطابية داخل القاعة ثم الهبوط إلى تسوية لفظية تُبقي الباب مفتوحًا لجلسات تالية.
خارجيًا، قد يُستحضر ملف المساعدات الأميركية كعامل ضغط معاكس، ذلك أنّ كل تشكيك بجدّية الدولة في تنفيذ خطتها سيُقرأ دوليًا كإشارة سلبية، والعكس صحيح. وهذا ما يرجّح في نهاية المطاف صيغة وسط: تثبيت "التقويم" الشهري، بما يؤكد المضيّ في العمل على الخطة، مع الإحالة إلى متابعة تنفيذية مع الجيش والأجهزة، مع تجنّب إدراج أي "ربط نزاع" نصّي قد يُفجّر التوازنات داخل الحكومة.
بين توصيف "جلسة تقويمية" وإمكان انزلاقها إلى "اشتباك مضبوط"، تبدو الحكومة أمام اختبار إدارة توتّر، لا كسر عظم. فمشاركة الجميع ـ إن تحقّقت ـ ستعني أن شرايين التواصل السياسية لا تزال تعمل، ولو بضغط عالٍ. أما سلام، فسيبني على معادلته القانونية لتأمين حدّ أدنى من الإجماع الإجرائي يسمح بتمرير التقرير الأوّل من دون انفجار سياسي، مع إبقاء النقاش الأوسع حول "الحصرية" مفتوحًا على مسار زمني ـ تنفيذي تدريجي.