Advertisement

لبنان

هل تكون مفاوضات شرم الشيخ بوابة نحو تسوية شاملة في الشرق الأوسط؟

هتاف دهام - Hitaf Daham

|
Lebanon 24
08-10-2025 | 03:00
A-
A+
Doc-P-1426593-638955142221494946.webp
Doc-P-1426593-638955142221494946.webp photos 0
facebook
facebook
facebook
telegram
Messenger
Messenger
A+
A-
facebook
facebook
facebook
telegram
Messenger
Messenger
تعود شرم الشيخ إلى واجهة الحدث كمنصة لإعادة رسم مشهد غزة والمنطقة، في مفاوضات تحمل في طياتها ما يتجاوز وقف الحرب إلى اختبار موازين القوى الجديدة في الشرق الأوسط. فمشاركة شخصيات بارزة مثل رئيس الوزراء القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، ووزير الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلي رون ديرمر، ورئيس الاستخبارات التركية إبراهيم قالن، لا تعبر فقط عن ثقل الجولة الجديدة، بل عن محاولة منظمة لإنتاج تفاهم سياسي يعكس مرحلة ما بعد الحرب، لا مجرد هدنة مؤقتة.
Advertisement

وفي خلفية المشهد، تتحرك الوساطة القطرية والمصرية ضمن شبكة معقدة من الضغوط الأميركية ، هدفها دفع الأطراف نحو اتفاق شامل يضع حداً للحرب التي استنزفت الجميع، إلا أن حركة حماس، المدركة لتبدّل موازين القوة بعد عامين من المواجهة، تتمسك، بحسب مصادرها، بوقف دائم للنار وانسحاب إسرائيلي كامل، وتسعى في الوقت ذاته إلى انتزاع اعتراف سياسي غير مباشر بها كطرف تفاوضي شرعي. ولذلك، جاء طلبها ضمانات دولية من الرئيس الأميركي دونالد ترامب والدول الراعية كشرط لأي اتفاق، في ما يشبه اختباراً مبكراً لقدرة واشنطن على فرض التزامات حقيقية على حكومة بنيامين نتنياهو.

في المقابل، تتعامل تل أبيب مع هذه الجولة بمنطق التحكم في إيقاع المفاوضات، محاولة تجنّب أي التزامات سياسية واضحة. فالتقارير الإسرائيلية تتحدث عن تفويض محدود لفريق التفاوض، وعن استعداد لقبول تهدئة طويلة من دون التورط في اتفاق نهائي يكرّس انسحاباً كاملاً أو يفتح الباب أمام تسوية دائمة. وهذا يعكس المأزق الداخلي الذي يواجهه نتنياهو، المحاصر بين ضغط اليمين المتطرف الذي يرفض أي تنازل، وضغط المؤسسة الأمنية التي باتت ترى في استمرار الحرب تهديداً استراتيجياً.

أما في واشنطن، فيسعى ترامب إلى تقديم نفسه مجدداً كمهندس لتفاهمات الشرق الأوسط الجديدة، مستفيداً من مناخ ما بعد الحرب لإطلاق مشروع سلام يعيد ترتيب الأولويات في المنطقة. فخطابه الأخير الذي تحدث فيه عن تقدّم هائل نحو اتفاق ليس مجرد تفاؤل سياسي، بل محاولة لصياغة صورة رئيس قادر على إحداث اختراق تاريخي يعيد أميركا إلى مركز صناعة القرار في المنطقة بعد سنوات من التراجع النسبي. ومن هنا، يراهن البيت الأبيض على أن نجاح اتفاق غزة سيفتح الباب أمام إعادة إحياء مسار صفقة القرن بنسخة محدثة، قوامها تسوية شاملة تشمل غزة والضفة الغربية والاعتراف الإقليمي بإسرائيل ضمن إطار عربي موسّع.

لكن خلف هذا التفاؤل الأميركي تكمن معضلة حقيقية، كيف يمكن ترجمة اتفاق ميداني إلى تسوية سياسية دائمة في ظل غياب الثقة المتبادلة؟ فمصادر فلسطينية تؤكد أن أي اتفاق من دون ضمانات أميركية واضحة سيكون هشّاً، لأن تجربة السنوات الماضية أثبتت أن إسرائيل غالباً ما تتراجع عن التزاماتها بمجرد زوال الضغط العسكري أو السياسي. ولهذا، تطالب حماس بضمانات مكتوبة ومعلنة من واشنطن، خشية أن يتحول الاتفاق إلى هدنة عابرة تستخدمها إسرائيل لترتيب وضعها الميداني ثم تعود إلى التصعيد.

في المقلب الآخر، تدرك القاهرة والدوحة وأنقرة أن ما يجري في شرم الشيخ يتجاوز غزة. فالمفاوضات الراهنة هي في الواقع اختبار لقدرة الإقليم على إنتاج معادلة أمنية جديدة توازن بين النفوذ الإيراني والتركي والعربي، ولذلك، تسعى القاهرة إلى استثمار الزخم الذي أحدثته خطة ترامب، مستفيدة من توافق نسبي بين العواصم العربية والإسلامية على ضرورة إنهاء الحرب، لتثبيت موقعها كوسيط رئيسي في أي تسوية مقبلة.

على المستوى الإسرائيلي، تتزايد الأصوات التي تعتبر أن استمرار الحرب لم يعد خياراً واقعياً. فشخصيات بارزة مثل عامي إيالون وإيهود أولمرت باتت تتحدث علناً عن فشل الحكومة في تحقيق أي من أهدافها وعن ضرورة الذهاب إلى تسوية سياسية تفضي إلى حل الدولتين. هذا التحوّل في الخطاب يعكس إدراكاً متنامياً في المؤسسة الأمنية والسياسية بأن المشروع العسكري استُنفد، وأن إسرائيل لم تعد قادرة على تحمّل كلفة المواجهة المفتوحة.

في هذا السياق، تبدو شرم الشيخ أمام لحظة حاسمة فإما أن تفضي المفاوضات إلى اتفاق يرسم ملامح مرحلة سياسية جديدة تخرج غزة من منطق الحرب الدائمة وتعيد ترتيب أولويات الإقليم، أو تتحول إلى محطة أخرى تضاف إلى سلسلة الهدن الموقتة التي عرفها الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي. فالتوازن الدقيق بين الضمانات الأميركية، وحسابات نتنياهو الداخلية، وتمسك حماس بشرعية سياسية ما بعد الحرب، سيحدد ما إذا كانت خطة ترامب ستتحول إلى واقع قابل للحياة، أم ستبقى حبراً على ورق في سجل المبادرات الأميركية التي ولدت كبيرة وانتهت إلى العدم.
مواضيع ذات صلة
تابع
Advertisement

أخبارنا عبر بريدك الالكتروني

إشترك
Author

هتاف دهام - Hitaf Daham