عقدت لجنة السجون في نقابة المحامين، المؤتمر الحقوقي - الإنساني بعنوان "من الألم إلى الأمل"... السجون اللبنانية على طريق التغيير نحو عهد جديد يكرس العدالة وكرامة الإنسان، في "بيت المحامي" - قاعة المؤتمرات الكبرى.
وحضر المؤتمر وزراء العدل عادل نصار، الداخلية والبلديات أحمد الحجار، والدفاع الوطني ميشال منسى، ممثل قائد الجيش العماد رودولف هيكل العميد الركن أنطوان شديد، نقيب المحامين في بيروت فادي المصري، مدعي عام التمييز القاضي جمال الحجار، قائد الدرك العميد جان عواد، رئيس لجنة السجون المحامي جوزف عيد، رئيس محاضرات التدرج ايلي قليموس، إضافة إلى عدد من القضاة ورؤساء المحاكم وعدد من الضباط الكبار في قوى الامن الداخلي وحشد من المحامين وممثلي الهيئات الحقوقية والجمعيات في لبنان.
وألقى المصري كلمة قال فيها: "إن الصلح مفتوح دائما في القضايا الوطنية والإنسانية قبل القضايا القانونية، لأن القانون يمكن أن يناقش في الجامعات والمعاهد والمكاتب. أما الإنسان فمكانه الطبيعي هو في رعاية نقابة المحامين".
وأكد أنه "حرص خلال ولايته على أن يكون الاهتمام بالجانب الإنساني عملا فعليا لا مجرد شعار"، وقال: "إن حضور وزراء العدل والداخلية والدفاع ومدعي عام التمييز والقضاة، يشكل الركيزة الأساسية التي يقوم عليها الوطن: الأمن والعدالة. إن أي دولة لا يمكن أن تنعم بالاستقرار أو تجذب الاستثمار في غياب العدالة، فالأمن والعدالة متلازمان".
واعتبر أن "موضوع السجون هو جزء أساسي من المنظومة القضائية، إذ لا يمكن تنفيذ العقوبة من دون وجود سجن، مما يجعل العلاقة بين القضاء والسجون تكاملية".
وأشاد بـ"جهود رئيس لجنة السجون جوزيف عيد، الذي قدم عملا مخلصا خلال 17 عاما في هذا المجال الإنساني، وأسهم في تزويد النقابة والجهات الرسمية بالمعلومات والإحصاءات الدقيقة"، مؤكدا "اعتزازه بتكريمه، تقديرا لعطائه وتفانيه في خدمة الإنسان".
وأكد أن الإنسان أولا هو الشعار الذي يجب أن يرفع"، معتبرا أن "العدالة المتأخرة أو المؤجلة تعادل غياب العدالة نفسها"، مشيدا بـ"رؤية وزير العدل واهتمامه، وكذلك برئيس الحكومة الذي تناول هذا الموضوع في أكثر من مناسبة".
كذلك، تحدث عن "التعاون القائم بين وزارتي العدل والداخلية لمعالجة اكتظاظ سجن رومية وتسريع المحاكمات"، وقال: إن مهنة المحاماة تقوم على التضحية، وهي ليست وجاهة أو بغرض المكاسب المادية".
نصار
من جهته، قال نصار: "لبنان ليس الدولة الوحيدة التي ينبغي عليها تطوير أوضاع سجونها، فهذه مشكلة مزمنة تعاني منها مجتمعات عدة في العالم، حتى في الدول الغربية. ويعود السبب الأساسي إلى أن جدران السجلون تحجب عن الأنظار المآسي التي تحدث في داخلها".
أضاف: "كان يترتب علينا أن نساهم في نشر الوعي حول أوضاع السجون، وتوجيه تحية إلى وزارة الداخلية على الجهود التي تبذلها، وكذلك إلى الجمعيات وبصورة خاصة إلى السيدة زينة دكاش، لما قدمته من مساهمة في نشر هذا الوعي من خلال أعمالها الفنية السينماتوغرافية والمسرحية مع السجناء وداخل السجن. وعلينا أن نقر أن السعي إلى تطوير نظام السجون في لبنان وتحسين أوضاعها مهمة تتخللها لحظات ايجابية ولحظات سلبية، بعض النجاحات، وعدد لا بأس به من الإخفاقات، الكثير من الإحباط والقلق والغضب، لكن سعي وزارتنا وبصورة خاصة وزارة الداخلية دائم لإحداث فرق فعلى. هذه المهمة تفرض علينا التوقف عند أربعة مبادئ:
أولا: ليس هناك ما هو أكثر قيمة لأي فرد من حريته وحقه في العيش بكرامة.
ثانيا: يمكن لأي سبب، سواء كان مبررا أم لا، أن ينتهك المرء القواعد الاجتماعية ويصبح سجينا، ولا يفترض أبدا أن يكون السجن نهاية المطاف، بل ينبغي أن يشكل نقطة تحول وانطلاق جديدة.
ثالثا: لا يقتصر هدف القانون الجزائي على وضع أشخاص خلف القضبان، بل ان الهدف الأساسي لأي عدالة جنائية ولأي نظام إصلاحي، في أي مكان في العالم، هو بلسمة جراح الضحية وحماية المجتمع، ويتحقق ذلك أيضا من خلال إعادة التأهيل وإعداد السجناء لإعادة الاندماج في المجتمع.
رابعا: العمل على تحسين أوضاع السجون هو عمل نضالي شاق وغير معترف به، اذ يتم تكليف المتخصصين في الإصلاحيات بمسؤوليات صعبة بينما لا يحظى هؤلاء بالتقدير ولا يعترف بجهودهم في الخدمة العامة. السجون لا تحظى لدى الرأي العام بالدفع اللازم لتحريك السياسة".
وأشار إلى أن "نظام السجون اللبناني يواجه العديد من التحديات منذ سنوات، وقد تفاقمت تلك التحديات أخيرا بسبب وباء Corona والأزمة الاقتصادية التي تواجهها البلاد"، لافتا إلى أن "الأزمة الاقتصادية أثرت على كل لبناني، وخصوصاً على الفئات الضعيفة مثل السجناء في ظل الاكتظاظ والبنية التحتية المتهالكة"، وقال: "يبلغ عدد نزلاء السجون الإجمالي في لبنان حاليا نحو 9000 سجين وما يقارب 200 امرأة و 120 حدثا. أما نسبة السجناء الأجانب فتصل الى 40% من مجموع السجناء".
أضاف: "بوجود تشريع قديم عفا عليه الزمن، يعود تاريخه إلى منتصف القرن الماضي المرسوم رقم 14310 لعام (۱۹۴۹)، نظام السجون اللبناني، الذي تديره وتشرف عليه موقتاً منذ أكثر من خمسين عاما قوى الأمن الداخلي التابعة لوزارة الداخلية، يعد نظاما منهكا. وفي ظل الاكتظاظ الشديد الذي يصل إلى نسبة 300، فإن أكثر من 65% من جميع السجناء لم تصدر حتى اليوم أحكاما قضائية نهائية بحقهم ويقوم حاليا القضاء بتدارك هذا الأمر ومواجهة هذا الوضع الناتج من تراكمات السنوات السابقة والأزمات المتتالية. يهمنا القول إن القضاء يعي مستوى المسؤولية ويقوم بدور فاعل اليوم لمعالجة هذه المسألة".
وتابع: "في هذا السياق المظلم للغاية، تظهر مبادرات إيجابية هادفة الى حماية حقوق الإنسان في السجون وتحسين الظروف المعيشية الصعبة على مختلف المستويات. ومن بين تلك المقاربات التي تنكب على إنفاذها وزارة العدل حاليا، إعادة تفعيل قاعة المحكمة في سجن رومية، الذي يضم حوالى 60% من مجموع سجناء لبنان، بينما تعالج محاكم جبل لبنان العدد الأكبر من الملفات، و40% من سائر الموقوفين في لبنان".
واشار إلى أن "محاكم جبل لبنان تطلب ما يفوق الـ 100 سجين للجلسات أسبوعيا"، وقال: "لا ندعي أن تفعيل قاعة المحكمة في رومية تشكل حلا متكاملا، إنما هي تدبير استثنائي وضروري لمواجهة واقع إستثنائي".
وشكر "نقابة المحامين وقوى الأمن والقضاة، تقديرا لما يسببه اعتماد قاعة المحكمة في رومية من المشقات"، وقال: "من واجبي أيضا أن أعرب عن التقدير والشكر لرجا أبي نادر، وهو جندي الظل، الذي يبذل جهودا جبارة وتضحيات مستمرة من أجل تحسين أوضاع السجون".
الحجار
وألقى الحجار كلمة قال فيها: "أن نكون جميعا في ضيافة نقابة المحامين ليس محض صدفة أو مناسبة عابرة، بل هي فعالية وطنية جامعة بكلّ ما للكلمة من معنى. إن المحامين في لبنان بنقابتيهم في بيروت وطرابلس هم من ركائز بنيان دولة القانون وحكم المؤسسات، فنقابة المحامين شريك أساسي وفاعل في أي مبادرة أو مشروع وطني، فكيف إذا كان الأمر يتعلق بالسجون والمؤسسات الإصلاحية".
أضاف: "ليس من عادتي أن اعتلي منبرا لأتحدث بكلام منمق، بل لأوصف الواقع، كما هو توخيا للوصولِ إلى حلولٍ مبتكرة. إن واقع السجون في لبنان اليوم، ليس على ما يرام، ونحن ندرك أنه لن يكون كذلك في المدى القريب، ليس لأن السجون باتت متهالكة بسببِ ِقدَمِ عهدِها فحسب، ولا لأن قوى الأمن الداخلي مقصرة في واجبها، فالواقع السيىء للسجون، إنما سببه الأساسي غياب المقاربة الوطنية الجامعة، واعتماد سياسة رمي هذا الملف بكليته على كاهل قوى الأمن الداخلي وحدها من دون رفدها في الوقت عينه بالموارد الكافية لإدارة هذا الملف، وفقا لمعايير الحد الأدنى المطلوب".
وأشاد بـ"التعاونِ الفعالِ بين وزارتي العدل والداخلية والبلديات في ملف السجون، وبصورة خاصة إعادة تفعيل العمل بمحكمة رومية، والتي لم تكن لتحصل لولا التعاون والتجاوب من قبل نقابتي المحامين في بيروت وطرابلس ومن قبل رؤساء المحاكم والقضاة المعنيين مشكورين جميعا".
وقال: "لن أدخل في جدلية من هو المسؤول عن إدارة السجون ومن هو المسؤول عن حراستها، ولا في أحكامِ قرارِ مجلس الوزراء رقم 34 تاريخ 7 آذار 2012 المتعلق بنقلِ صلاحيَّةِ الإشراف على السجون إلى وزارة العدل، إنّما همّيَ الأوَّلُ أن نعملَ وإيّاكُمْ على تحسينِ وضعِ السجونِ والنزلاء بما توافر من إمكاناتٍ هي بطبيعتِها غيرُ مكلفةٍ ولا تُرهِقُ خزينةَ الدولة، ولعل أهمها تطبيق التدابير المنصوص عنها في المادتين 108 و111 من قانون أصول المحاكمات الجزائية، وتسريعُ وتيرةِ عقدِ جلساتِ المحاكمةِ والنُّطقِ بالأحكام والبتِّ بطلبات إخلاءِ السبيل بما أمكنَ من سرعة، يُضافُ إليها النظرُ جِدِّيّاً بإقرارِ قانون للعفو العام، وكلها أمور إذا ما نفذت، من شأنها أن تخفف من نسبة الاكتظاظ في السجون التي تعد من المعضلات الأساسية التي تقف عائقا في وجه حسن الإدارة، ولا نفشي سرا إذا قلنا أن نسبة الاكتظاظ في سجن رومية المركزي قد وصلت إلى حدود 200%".
أضاف: "من جهة أخرى، إن وجود ما يقارب الـ8500 نزيل موزعين على السجون والنظارات في لبنان، من بينهم حوالى 2500 نزيل سوري، هو عدد كبير جدّا مقارنة بمحدودية القدرة الاستيعابية وضآلة الموارد المتوفرة، حيث باتت نظارات قصور العدل والقطعات الإقليمية هي الأخرى أشبه بسجون صغيرة معَ ما يستتبع ذلك من نتائج تطال بسلبيتها إنتاجية هذه القطعات والتأثير في قدرتها على التفرّغِ لمهامها الأساسية".
وتابع: "لا بد من كلمة عن سوق السجناء التي يتم تقديرها احيانا لأسباب تعود إلى عدم رغبة النزيل نفسه بالمثول أو لأسباب صحية أو لوجستية أو أمنية أو حتى بسبب تعذّر الاستماع إليه من قبل المحكمة. وانطلاقا مما تقدم، إن كل وزارات الدولة لا سيما الصحة، التربية، المالية، إضافة إلى الوزارة الأساس أي وزارة العدل، مدعوة جميعها إلى مساعدةِ وزارةِ الداخلية والبلديات عبر المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي لإنشاء فريقِ مهمة TASK FORCE للمشاركة في تحمل الأعباء كل في مجال اختصاصِه، خصوصا أن قوى الأمن الداخلي بات مطلوب منها راهنا وبسببِ الأوضاعِ المستجدة على الساحتين الإقليميةِ والمحلية، أن تضطلع بدور أساسي ومحوري في عملية حفظ النظام وتوطيد الأمن، إلى جانب الجيش اللبناني الذي باشر بتنفيذ خطة إعادة انتشار لضبط الحدودِ ومراقبتها وتطبيق قرار مجلس الأمن الدولي الرقم 1701".
وختم: "إنّنا نُوصِّفُ الواقعَ بكلِّ تجرّدٍ لنقولَ إنَّ ملفَّ السجونِ هو موضوع وطنيٌّ يحتاجُ إلى تضافرِ الجهودِ على المستوياتِ كافّة. ولا بدّ هنا من توجيهِ الشكرِ إلى الجمعياتِ الدوليّةِ والمحليّةِ وهيئاتِ المجتمعِ المدنيِّ بكافةِ تلاوينِها، فهي تبذُلُ جهداً كبيراً في توفيرِ الخدمات الاجتماعيّةِ والطبيّةِ والنفسيّةِ في السجون خدمةً للنزلاءِ وتخفيفا لمعاناتِهِم".