فيما يترقب لبنان ما ستحمله الأيام المقبلة بعد اتفاق السلام في غزة، في ضوء كلام رئيسي الجمهورية العماد جوزاف عون والمجلس نبيه بري عن أنه حان اليوم دور لبنان في زمن التسويات، يشكل ملف الانتخابات النيابية عنصراً أساسياً في أيّ تسوية سياسية مقبلة.
وكتبت سابين عويس في " النهار": ما بين الرئيسين عون وبري تناغم وتوافق على الموقف المبدئي من هذه الانتخابات لجهة ضرورة التزام إجرائها في موعدها الدستوري. وفي حين لا يتدخل رئيس الجمهورية انطلاقاً من موقعه الدستوري واحتراماً لمبدأ فصل السلطات، يؤكد أن الأمر متروك لمجلس النواب الذي له دور أساسي يجب أن يؤديه.
ووسط الكباش الحاد الحاصل، بدأت المساعي لإيجاد مخرج تحدث عنه عضو كتلة "اللقاء الديموقراطي" النائب بلال عبدلله، وأكدته مصادر نيابيّة مطلعة، كاشفة أن ما يحصل لا يعدو كونه محاولات لم ترق إلى مستوى المبادرة، وهو ما قاله عبدالله لـ"النهار"، نافياً أن يكون اللقاء يحمل مبادرة أو طرحاً، خصوصاً أنه صاحب موقف سياسي مؤيد لتعديل القانون وبالتالي لا يمكن أن يتبنى مبادرة.
وتكشف المصادر السياسية أن المأزق الذي بلغته الأمور دفع بعض القوى إلى العمل على وساطة أو تسوية لإخراج البلاد من الأزمة. وفُهم أن العمل الجاري حالياً يرتكز على التوفيق بين التباينات الحاصلة بين القوى السياسية من خلال مقايضة بين تعليق تطبيق المادة ١١٢ المتعلقة بانتخاب المغتربين، مقابل عدم تعديل القانون لإلغاء هذه المادة، وفق ما تطالب به كتل نيابية كبرى في البرلمان.
لكن القانون المعجّل الذي أحالته
وزارة الخارجية أمس قلب المشهد لأنه نقل المشكلة القائمة أساساً في مجلس النواب إلى طاولة
مجلس الوزراء الذي سيكون عليه التوافق أو التصويت على المشروع وإحالته على البرلمان. وبدا أن "القوات" بمشروعها هذا تحرج الرئيس بري، والإحراج لن يولّد حلاً بل يعمق المشكلة، علماً أنه لا بد من الإشارة إلى أن الثنائي لن يقبل بأي تسوية ويريد أن يجري الانتخابات في موعدها مستفيداً من العصب الشيعي الشعبي الداعم له.
وكتب نبيل بو منصف في" النهار": الانتخابات النيابية في أيار المقبل ستكون المصبّ الختامي لكل ما تراكم في لبنان، داخلياً وخارجياً، من تداعيات زلزال سياسيّ غير مسبوق شهده في تاريخ تجاربه حروباً وسلماً، حتى أن كثيراً من هذه الانتخابات قد يذهب في اتجاه التكهّن بمرحلة تأسيسية جديدة في لبنان.
وإذا كانت التركيبة
اللبنانية لا تزال في جوهرها الأساسي تتمحور حول التكوين الطائفي الكاسح، فإن ثلاثة مذاهب طائفية ستحدّد في طليعة الاستحقاق مسار نتائجه الحاسمة. المقصود بذلك بـ"التفصيل الطائفي" المكونات المسيحية والسنية والشيعية. فالمكونات المسيحية، التي أفادت إفادة قصوى من التمثيل النيابي في الدورة السابقة، ستكون هذه المرة أمام ذروة معركة سياسية بين القوى المناوئة لكل ما كان يشكله "محور الممانعة" بقيادة "
حزب الله" متحالفاً مع
التيار العوني المسيحي، الذي يواجه أخطر تراجع محتمل له منذ نشأته فيما تشكل "القوات اللبنانية" رأس حربة نارية صاعدة تعدّ نفسها لنصر غير مسبوق.
وأهمية المعركة لا تقف على قطف سباق انتخابي بين القوى المسيحية وحدها، فثمة معركة ليّ ذراع وتهديد فعليّ، للمرة الأولى منذ 34 سنة، بإزاحة
رئيس مجلس النواب نبيه بري عن "عرشه" في الرئاسة الثانية، إذا مضت "القوات اللبنانية" نحو ترشيح شيعة في دوائر مختلطة.
أما السنّة فإنهم أمام صفحة مصيرية بكلّ المعايير، فالحريرية لا تزال النبض الأقوى لدى المكوّن السنيّ، في حين تتوزع محاولات وراثتها في اتجاهات فوضى سياسية قد تنجم عنها تحالفات محدودة ومبعثرة، تُبقي الكتلة السنية مشرذمة.
وأما الاستحقاق الأخطر إطلاقاً فهو المتصل بالكتلة الشيعية التي يستأثر الثنائي "أمل" و"حزب الله" بتمثيل النواب الـ27 فيها منذ الانتخابات الأولى في عصر الطائف. هذا الاستحقاق المقبل سيكون حاسماً لجهة الرهان على تغيير من داخل الطائفة الشيعية أو سقوط الرهان على رغم أن عواقب عدم التغيير ستكون كارثية لجهة مواجهة أغلبية لبنانية متعددة الطوائف، مناهضة تماماً لكلّ ماضي وحاضر وواقع سياسات وارتباطات "حزب الله" والثنائي.