Advertisement

لبنان

حروب بلا نار: كيف تُدار المواجهة بالتهويل؟!

جاد الحاج - Jad El Hajj

|
Lebanon 24
21-10-2025 | 11:00
A-
A+
Doc-P-1432043-638966379877771768.jpg
Doc-P-1432043-638966379877771768.jpg photos 0
facebook
facebook
facebook
telegram
Messenger
Messenger
A+
A-
facebook
facebook
facebook
telegram
Messenger
Messenger
رغم كلّ الضجيج الذي يملأ الأجواء السياسية والإعلامية عن احتمال اندلاع حربٍ جديدة، تبدو الوقائع على الأرض مغايرة تماماً لما يُراد ترسيخه في الرأي العام. فالتصعيد الكلامي، والحشود على الحدود، والتسريبات المقصودة عن سيناريوهات المواجهة، لا تعبّر بالضرورة عن إرادة فعلية بخوض حرب بقدر ما هي محاولة منظّمة لبث جوٍّ تهويلي يُبقي المنطقة معلّقة على حافة القلق.
Advertisement
في المقابل، يظهر الإصرار الأميركي الواضح على تثبيت وقف إطلاق النار، إلى جانب التزامٍ إسرائيليٍ مضمر بالهدوء، كإشارتين محوريتين إلى أن الحرب، على الأقل بصيغتها التقليدية التي عرفناها في لبنان أو في غزة، ليست مطروحة في المدى المنظور.

عملياً، تتقاطع المؤشرات الميدانية والسياسية لتُظهر أن المسار لا يتّجه نحو حرب، بل نحو انكفاءٍ تدريجي في المشروع الإسرائيلي نفسه. فنتنياهو، الذي بنى مجده على صورة القائد المنتصر، يجد نفسه اليوم في موقع الخاسر العالق بين ضجيج الخطاب وانكشاف العجز. إذ إنه وبعد سنوات من الاستثمار في القوة والنار، استنفد كل أوراقه العسكرية والسياسية من دون أن يحقق إنجازاً استراتيجياً واحدا يمكن البناء عليه. وبذلك، تحوّلت مكاسبه الموضعية إلى عبءٍ عليه أكثر منها ورقة ضغط، إذ يخسر من دون أن ينتصر، ويقصف من دون أن يغيّر المعادلات. وهنا تتضح المعضلة، فمشروعه الحربي الذي أراده وسيلة للهيمنة، صار عبئاً داخلياً يُسرّع سقوط صورته ويضعه أمام مأزقٍ لا يمكن الهروب منه.

على الضفة الأخرى، يتّسع المأزق الغربي الذي لا يقلّ خطورة عن المأزق الإسرائيلي نفسه. فالحكومات الأوروبية تبدو محاصَرة بين ضغط الشارع الذي يميل بوضوح إلى نصرة القضية الفلسطينية، وبين التزاماتها الأطلسية الصارمة تجاه واشنطن. ومع تغيّر المزاج الشعبي واتساع الفجوة بين الرأي العام وصانع القرار، بات الصمت مكلفاً والتواطؤ عبئاً سياسياً داخلياً. هذه التحوّلات الأوروبية تتقاطع مع قلقٍ أميركيٍّ متصاعد من انهيار اقتصاديٍ محتمل، جعل هاجس الاستقرار المالي يتقدّم على أي مغامرةٍ عسكرية. لذلك، تسعى الإدارة الأميركية إلى تنفيس الاحتقان عبر تفاهماتٍ مع الصين أو تحرّكاتٍ اقتصاديةٍ نوعية تقيها الانهيار. ومع هذا التوجّه، يصبح الغرق مجدداً في مستنقع الشرق الأوسط خياراً مستبعداً، لأن أي تهوّر من نتنياهو تجاه لبنان أو إيران قد يجرّ واشنطن إلى أزمةٍ مضاعفة، مالية وسياسية في آنٍ واحد.

ومع ذلك، يبقى باب الاحتمالات مفتوحاً جزئياً، لأنّ جنون نتنياهو السياسي وتقلّباته الدائمة يجعلان من أي تهوّرٍ مفاجئ احتمالاً قائماً. فالرجل المحاصر داخلياً، والذي تآكل رصيده الشعبي والسياسي، قد يرى في إشعال التوتير الإقليمي مهرباً من أزماته المتراكمة. ومع أنّ هذا السيناريو يظلّ ممكناً من حيث المبدأ، إلا أنه يفتقر اليوم إلى البيئة الدولية والداخلية التي تسمح بتحوّله إلى حرب شاملة. فالمغامرة الكبرى تحتاج إلى هدفٍ استراتيجيٍ واضح يبرّر المجازفة، كضربةٍ وازنة لإيران، وهو ما قد يشعل المنطقة بالكامل ويدفعها إلى مسارٍ يصعب احتواؤه، لكنّه يبقى احتمالاً استثنائياً لا قاعدة.

في هذا المشهد، يبرز الملف السوري كأحد المفاتيح الحساسة التي لم تعد تحتمل مزيداً من الاستنزاف. فالتغوّل الإسرائيلي المفرط على الجبهة السورية فتح الباب أمام مساراتٍ إقليمية جديدة تتقاطع جميعها عند هدفٍ واحد: كبح الاندفاع الإسرائيلي وإعادة ضبط الإيقاع الأمني في المنطقة. ومن هذا المنطلق يمكن قراءة الحراك التركي–الإيراني، والتقارب الإيراني–السعودي–الباكستاني، فضلاً عن إشارات الانفتاح المصري تجاه طهران. ولعلّ هذه التفاهمات الناشئة ليست تفصيلاً دبلوماسياً، بل مؤشّر على تحوّلٍ أعمق في ميزان القوى، وإذا ما أفضت هذه التحركات إلى تسويةٍ تركية–إيرانية أو إلى تفاهمٍ أوسع حول الملف السوري، فإنّ دمشق قد تجد نفسها مجدداً على عتبة دورها السابق كخط إمدادٍ وتوازنٍ في المنطقة. وحينها، يكون نتنياهو قد أسهم من حيث لا يدري في إعادة ترتيب المشهد الإقليمي بطريقةٍ تعاكس تماماً أهدافه.

في المحصّلة، ما يجري اليوم لا يمكن اعتباره تمهيداً لحربٍ بقدر ما هو استخدامٌ ممنهج لخطاب الحرب كوسيلة ضغطٍ سياسي ونفسي. فالتصعيد في الخطاب، وتسريب سيناريوهات المواجهة، والحديث المتكرر عن «ساعة الصفر»، ليست إلا أدواتٍ لتثبيت وقائع جديدة على الأرض أو لانتزاع مكاسب تفاوضية. المنطقة تقف على عتبة تسوياتٍ باردة أكثر منها مواجهاتٍ ساخنة، والعواصم الكبرى تدرك أنّ أي اشتعالٍ شامل سيحرق ما تبقّى من نفوذها الاقتصادي والسياسي. من هنا، يمكن القول إنّ التهويل بالحرب تحوّل إلى جزءٍ من اللعبة، أداةً بحدّ ذاته لا مقدّمةً لاندلاعها. ومع بقاء الاحتمالات مفتوحة، ترى مصادر دبلوماسية مطّلعة أن المصلحة الأميركية- الإسرائيلية اليوم تبقى في تجنّب الانفجار لا في إشعاله.
مواضيع ذات صلة
تابع
Advertisement

أخبارنا عبر بريدك الالكتروني

إشترك

جاد الحاج - Jad El Hajj