في مقابلته امس، قدّم الشيخ
نعيم قاسم،
الأمين العام لحزب الله، خطابًا لافتًا من حيث المضمون والنبرة، ما أثار اهتمام الأوساط السياسية والإعلامية على حدّ سواء. كلام
قاسم بدا وكأنه يفتح صفحة جديدة في مقاربة الحزب للأوضاع الراهنة، سواء في بعدها الداخلي أو الخارجي، في لحظة إقليمية دقيقة تزدحم بالاحتمالات والتوترات.
على الصعيد الخارجي، بدا قاسم أكثر ميلاً إلى ضبط الإيقاع وتجنب التصعيد، في رسالة واضحة مفادها أن الحزب لا يسعى إلى إشعال جبهة الجنوب إلا في حال حصول اعتداء واسع أو عدوان كبير على
لبنان. اللافت أن قاسم تراجع جزئياً عن لهجة “إعادة الترميم” التي استخدمها الحزب سابقاً، ما يوحي بوجود توجه أكثر حذرًا في التعامل مع التطورات، وربما أكثر انفتاحًا على المساعي الدبلوماسية الجارية لاحتواء الموقف. هذه المقاربة الخارجية الجديدة يمكن قراءتها على أنها محاولة لتبريد الأجواء، وإيصال رسالة مزدوجة إلى الداخل والخارج بأن الحزب لا يريد الحرب، لكنه في الوقت نفسه لن يتهاون في الدفاع عن لبنان إذا فرضت عليه المواجهة.
أما داخليًا، فخطاب قاسم حمل نفَسًا تصالحيًا واضحًا، يعكس ما يمكن تسميته بسياسة “اليد الممدودة” تجاه مختلف الأطراف. فقد تحدث بإيجابية عن
القوى السياسية، وأكد أن الحزب مستعد للتقارب مع الجميع، شرط أن تكون النية صادقة والعمل لمصلحة البلد. اللافت في هذا السياق إشارته إلى رئيس الحكومة
نواف سلام، حيث قال إنه إذا اقترب رئيس الحكومة خطوة نحو الحزب، فسيقترب هو عدة خطوات، في تعبير رمزي عن الرغبة في فتح قنوات حوار وتعاون بعيدًا عن التشنج.
كلامه أوحى بأن الحزب يسعى لتمرير هذه المرحلة بأقل كلفة ممكنة، سواء على المستوى السياسي أو الأمني أو الاقتصادي، خصوصًا في ظل الظروف الداخلية الضاغطة والانقسام الحاد بين القوى.
من خلال هذا الخطاب، يبدو أن
حزب الله يحاول رسم صورة مختلفة عن تلك التي ارتبطت به في الأشهر الماضية، عبر تبني خطاب أكثر هدوءًا وانفتاحًا، من دون أن يتخلى عن ثوابته أو خياراته الأساسية. فهو يوازن بين رسائل التهدئة في الداخل والإصرار على الردع في الخارج، في محاولة لحماية موقعه السياسي والشعبي ضمن معادلة إقليمية متحركة. بهذا المعنى، فإن مقابلة الشيخ نعيم قاسم لم تكن مجرد مرور إعلامي، بل شكلت مؤشراً على مرحلة جديدة من التكتيك السياسي والإعلامي لدى الحزب، هدفها العبور من
العاصفة بأقل خسائر ممكنة، مع الحفاظ على خطوط الدفاع والكرامة الوطنية.