مع اقتراب موسم الانتخابات النيابية المقبلة، تتصاعد ملامح مواجهة سياسية حقيقية بين "التيار الوطني الحر" من جهة، وخصومه المسيحيين من جهة أخرى، في معركة عنوانها العريض "الهوية السياسية للمسيحيين وموقعهم في التوازنات اللبنانية المقبلة.
هذه المواجهة لا تقتصر على التنافس الانتخابي التقليدي، بل تتجاوز ذلك إلى صراع على من يملك حق تمثيل الشريحة الأوسع من المسيحيين، ومن يحدد خياراتها في المرحلة المقبلة التي تبدو أكثر حساسية من أي وقت مضى.
"
التيار الوطني الحر" يحاول منذ فترة إعادة تموضعه السياسي بطريقة تمنحه مساحة أوسع من الحركة، من دون خسارة التحالف الذي ربطه بحزب الله على مدى السنوات الماضية. هذا التموضع الجديد لا يعني بالضرورة انفصالاً عن الحزب، لكنه يعكس رغبة واضحة في إظهار استقلالية نسبية في القرار، خصوصًا في الملفات الداخلية التي تتعلق بالإدارة، الإصلاح، والاقتصاد. في المقابل، ترى "
القوات اللبنانية" ومعها بعض القوى
المسيحية الأخرى أن الوقت حان لانتزاع المبادرة من يد "
التيار"، وتثبيت حضورها كقوة تمثل "الخيار المسيحي البديل" في مواجهة ما تعتبره الشعبية السياسية السابقة التي فرضها "التيار" عبر تحالفاته.
الخصومة بين الطرفين لم تعد مجرد منافسة انتخابية، بل باتت معركة يسعى فيها كل فريق لتثبيت نفسه كمرجعية أولى في الشارع المسيحي. "القوات اللبنانية" تركز على خطاب تعبوي يقوم على فكرة "استعادة القرار"، وتستخدم لغة سياسية تتحدث عن تحرير الشيعة من الخيارات التي وضعوا نفسهم فيها خلال السنوات الأخيرة. أما "التيار"، فيسعى إلى إقناع جمهوره بأن خصومه يحاولون إضعاف موقع المسيحيين عبر تفتيت موقفهم السياسي، وتحويلهم إلى أداة ضمن مشاريع أكبر تتخطى مصالحهم المباشرة.
وفي ظل هذه المواجهة، يتحرك "التيار الوطني الحر" بسرعة على أكثر من محور: من إعادة فتح خطوط الاتصال مع القوى التقليدية في الشارع المسيحي، إلى محاولة تثبيت تحالفات جديدة في مناطق مختلطة تتيح له الحفاظ على كتلته النيابية. هذا النشاط يثير قلق خصومه الذين يرون فيه محاولة مبكرة لاستعادة الزخم الشعبي الذي فقده في المرحلة الأخيرة.
لكن الأهم أن هذه المعركة لا تدور فقط حول المقاعد النيابية، بل حول مستقبل الدور المسيحي في النظام اللبناني. فكل من "التيار والقوات" يطرح رؤية مختلفة تمامًا لطبيعة هذا الدور: الأولى تستند إلى فكرة الشراكة مع القوى الأخرى كضمانة للاستقرار، والثانية تبني موقفها على مبدأ الاستقلال السياسي التام. بين هذين الطرحين، يبدو أن الانتخابات المقبلة ستكون اختبارًا فعليًا لميزان القوى داخل البيئة المسيحية، وربما بداية لمرحلة جديدة تعيد رسم المشهد السياسي برمّته.