حدد حزب الله في كتاب مفتوح وجّهه امس إلى الرؤساء الثلاثة والشعب اللبناني، موقفه من موضوع المفاوضات، معرباً عن اعتقاده بأنّ لبنان ليس مضطرّاً لأن «يخضع للابتزاز العدواني والاستدراج نحو تفاوض سياسي مع العدوّ الصهيوني على الإطلاق، فذلك ما لا مصلحة وطنية فيه وينطوي على مخاطر وجودية تهدّد الكيان اللبناني وسيادته»،
وحذّر الحزب من أنّ «التورّط والانزلاق إلى أفخاخ تفاوضية مطروحة، يعني المزيد من المكتسبات لمصلحة العدوّ الإسرائيلي الذي يأخذ دائماً ولا يلتزم بما عليه، بل لا يعطي شيئاً».
وذكرت "نداء الوطن" أن رئيسي الجمهورية والحكومة جوزاف عون ونواف سلام لم يرتاحا لرسالة "الحزب" وهما تواصلا مع
رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي بدا متفاجئًا بمضمون الرسالة وتشير المعلومات إلى أن
الأميركيين والخليجيين حذروا المسؤولين اللبنانيين من خطورة موقف "الحزب" وأن رسالة المعنيين بالملف اللبناني من الجانب الأميركي كانت سوداوية الإشارات.
وإذا بقيَ "حزب الله" مصرًّا على مواقفه فإن لا مفرّ من أمرين: الأول تصعيد إسرائيلي لا يعرف أحد مداه ومدّته والثاني ضغط دوليّ كبير على الحكومة والرئيس لحث الجيش
اللبناني على سحب سلاح "الحزب" ولو بالقوة.
وذكرت «الأخبار»، أنّ رئيس الجمهورية جوزاف عون، ورئيس مجلس النواب نبيه بري، وُضِعا في جوّ البيان قبل صدوره. لكنّ الوسط السياسي انطلق في مناقشة توقيت البيان ورسائل الحزب، خصوصاً أنه أكّد على التزامه بوقف إطلاق النار، وتحدّث من موقعه كحزب مقاوم لا كحزب سياسي فقط، حيث أكّد في الكتاب على «حقّنا المشروع في مقاومة الاحتلال والعدوان، ولا يندرج الدفاع المشروع تحت عنوان قرار السّلم أو قرار الحرب، بل نمارس حقّنا في الدفاع ضدّ عدوّ يفرض الحرب على بلدنا»، كما تقصّد تقوية الموقف اللبناني الذاهب نحو المفاوضات، خصوصاً في ظلّ الهجمة الدُّولية عليه بالتأكيد على ضرورة الاستفادة ممّا لديه من أوراق قوة.
وكشفت مصادر بارزة أنّ مسؤول أممي أبلغَ أمس، بـ«ضرورة أن تقبل الدولة اللبنانية بالتفاوض المباشر مع إسرائيل وإلا فإنّ الأخيرة ستبدأ بتنفيذ استهدافات موجعة على كامل الأراضي اللبنانية وليس فقط في الجنوب»، وقد وصفَ هذا المسؤول ما ستقدم عليه إسرائيل، بالـ«ميني حرب».
اضافت" الاخبار": ولم يمضِ وقت على صدور البيان، حتى أشعل العدو حرباً نفسية وعسكرية على أهالي الجنوب، مصدراً إنذارات بالإخلاء في عدد من القرى الجنوبية، شملت عيتا الجبل والطيبة وطيردبا وزوطر الشرقية وكفردونين. ليشنّ بعدها غارات جوّية قوية، قبل أن يعلن جيش الإحتلال أنه «أنجز شنّ سلسلة غارات استهدفت بنى تحتية إرهابية ومستودعات أسلحة تابعة لوحدة قوة الرضوان في جنوب لبنان. حيث يواصل حزب الله محاولاته لإعادة اعمار بنى تحتية إرهابية في جنوب لبنان، مركّزاً على محاولات إعادة إعمار قدرات الوحدة بهدف استهداف دولة إسرائيل».
ومع حال البلبلة التي سادت المناطق الجنوبية طوال ساعات ما بعد الظهر، والتي انعكست أيضاً قلقاً في بيروت والضواحي، إلا أنّ الأنظار ظلّت مركّزة على ما يجري جنوباً، خصوصاً وأنّ الجيش اللبناني، رفض طلب قوات «اليونيفيل» إخلاء إحدى الثكنات العسكرية في بلدة كفردونين، رغم الغارات الإسرائيلية القريبة، متّهماً إسرائيل، بمنع استكمال انتشار وحداته وفق اتفاق وقف الأعمال العدائية. وبعد الغارات المسبوقة بالإنذارات، استهدفت مسيرّة إسرائيلية، منطقة «الدبش» في بلدة عيترون.
وفي إشارة هي الأولى من نوعها منذ توقّف الحرب قبل نحو سنة، نقل إعلام العدو عن مصادر في جيش الاحتلال أنه «يستعدّ أيضاً لاحتمال ردّ حزب الله، حتى لو استمرّ القتال لأيام، ويشير في الوقت نفسه إلى أنّ الحزب يدرك أنّ كل حادثة صغيرة، سيدفع حزب الله ولبنان ثمناً باهظاً، حيث لم تعُد هناك من معادلات أو تماثل. ولا يوجد حالياً أي تغيير في التعليمات الموجّهة لسكان الشمال».
وتقول إسرائيل، إنّ «الهجمات في لبنان، تُنفّذ بالتنسيق مع الأميركيين المتمركزين بشكل دائم في قاعدة القيادة الشمالية، منذ وقف إطلاق النار». وقالت إنّ «الجيش اللبناني، لا يعمل بشكل موحّد في جميع أنحاء لبنان، وأنّ وتيرة نشاطه أبطأ من المتوقّع في ظلّ التحدّيات الداخلية اللبنانية ووجود كتائب شيعية في الجيش اللبناني. كما أنّ هناك أماكن لا يدخلها الجيش، وإذا لم يُسرّع الجيش اللبناني وتيرة عملياته ويعمل على نزع سلاح حزب الله، فستفعل إسرائيل ذلك».
من جانبه قال قائد المنطقة الشمالية في جيش الاحتلال، إنه «يتوجّب علينا أن نكون مصمّمين على مواصلة الهجوم والتدمير لإضعاف حزب الله، لن نسمح لحزب الله بترسيخ وجوده وتنظيم صفوفه والتعافي، سنواصل العمل ورصد أي تهديد نراه والعمل ضدّه».
وكتبت روزانا بو منصف في"النهار": كان من المرجح أن يكسب لبنان بإعلان رئيسه العماد جوزاف عون إبداء استعداده للتفاوض مع إسرائيل، بالنقاط على إسرائيل، إذ ينزع من يدها مبررات التصعيد العسكري الذي تلوح به، ويحظى بتعاطف تبريري من الخارج على قاعدة أن لا مبرر لتوجيه ضربات جديدة للبنان ما دام رئيسه يظهر استعدادا ورغبة في التفاوض.
وفيما كان عون يرمي الكرة في ملعب إسرائيل للرد على هذا الاستعداد الذي قال عنه إنه قرار لبناني جامع، بمعنى أنه حصل على موافقة الثنائي الشيعي، لم تخف مصادر ديبلوماسية خشيتها أن الرسائل التي كان يوجهها "حزب الله" تترك المجال واسعاً للشكوك في ذلك. والحال أن وسائل إعلامه عمدت إلى شيطنة التفاوض وقرار رئيس الجمهورية كأن هناك بديلاً لديه.
يخاطب الحزب إسرائيل والولايات المتحدة على قاعدة أن نزع سلاحه جنوب الليطاني هو المطلب الإسرائيلي، فيما يفسر عدم نزع سلاحه في كل المناطق اللبنانية بأنه ليس حاجة أميركية أو إسرائيلية. الرسالة أن السلاح الذي كان يقلق إسرائيل في جنوب الليطاني لم يعد موجوداً، لا في الجغرافيا ولا من حيث نوعيته أيضاً.
ما المطلوب الآن إزاء ما يجري؟ وما الذي يمكن القيام به في ظل الإجراءات المتاحة مع نزع الحزب "شرعية" دعوة رئيس الجمهورية إلى التفاوض من جهة، وإصراره على مواجهة الحكومة اللبنانية وتحدي عجزها؟
خلاصة ذلك العودة إلى ازدواجية السلطة بما يؤدي إلى إدامة الشلل المؤسساتي وتقويض سلطة الدولة، مع تعميق الانقسام في النظام السياسي الطائفي في لبنان. وتالياً، إن غياب التوافق السياسي، إلى جانب غياب القدرة على التنفيذ الموثوق به، يجعلان اتخاذ تدابير تدريجية أو رمزية أكثر احتمالاً بكثير من نزع السلاح الكامل. في حين أن الجهة الأخرى هي في مرمى إسرائيل، وقد سعى الحزب إلى بيعها بين 2006 و 2024 هدوءاً على غرار الهدوء في الجولان، وهو يسعى إلى اعتماد المقاربة نفسها لقاء سيطرته في الداخل. ولا يقل أهمية رد الفعل الخارجي وما إذا كان ذلك سيحفز فتح حوار إقليمي أو أميركي مع طهران للتأثير على الحزب.