Advertisement

لبنان

"حزب الله" يحدّد سقف الهدنة.. ويرسم حدود التفاوض

جاد الحاج - Jad El Hajj

|
Lebanon 24
08-11-2025 | 04:00
A-
A+
Doc-P-1439553-638981917077181228.jpg
Doc-P-1439553-638981917077181228.jpg photos 0
facebook
facebook
facebook
telegram
Messenger
Messenger
A+
A-
facebook
facebook
facebook
telegram
Messenger
Messenger
في المشهد السياسي الراهن، تتعامل بعض العواصم مع وقف إطلاق النار وكأنه فرصة لإعادة فتح ملفات داخلية في لبنان. فبدل أن يُنظر إلى القرار بوصفه نتيجة لتوازن فرضته المواجهة، حاول بعض الوسطاء تحويله إلى مدخل للبحث في موقع المقاومة ودورها.
Advertisement

ومع أنّ هذه الأفكار طُرحت تحت عنوان "دعم الاستقرار"، إلّا أنّ جوهرها كان يميل نحو اختبار قابلية لبنان للتنازل عن عناصر القوة التي حمت حدوده. وبذلك، انتقل النقاش من سؤال كيفية تثبيت وقف النار، إلى محاولة ربط الهدوء بمكاسب سياسية كان يفترض أن تُنتزع عسكرياً، لكنّ إسرائيل فشلت في تحقيقها على الأرض.

بهذه المقاربة، حاول الوسطاء تجاوز حقيقة أساسية مفادها أن وقف العمليات العسكرية لا يعني بأن لبنان بات مستعداً للدخول في مسار تنازلات سياسية، ومع تزايد المؤشرات التي دلّت على محاولة ربط الهدنة بفتح نقاش حول السلاح ودوره، بدا وكأن الهدنة تُستخدم كوسيلة للضغط بدل أن تكون مدخلاً لتثبيت الاستقرار. عند هذه اللحظة، جاء بيان "حزب الله" ليعيد ضبط اتجاه النقاش ويحدّد حدود اللعبة السياسية.

ضمن هذا الإطار، قدّم "الحزب" تفسيراً واضحاً لشكل التفاوض وحدوده، فهو يقبل بمسار غير مباشر تديره الدولة عبر وسيط، شرط أن يتمّ إنهاء الأعمال العدائية أولاً. وعليه، فإنّ التفاوض هنا ليس عملية سياسية تهدف إلى مناقشة مستقبل السلاح أو موقع المقاومة، بل آلية تقنية لضمان تنفيذ وقف النار ومنع تكرار الخروقات. بهذا الطرح، نقل "الحزب" نفسه من خانة الطرف الذي تتمّ مقايضته إلى خانة الطرف الذي يضع شروط اللعبة، فهو لا يفاوض على وجوده، بل يفاوض على وقف العدوان عن لبنان.

من هنا، انتقل البيان إلى المسألة الأكثر حساسية، وهي شكل التفاوض وحدوده، إذ أبدى "الحزب" استعداداً لمناقشة التفاصيل التقنية عبر وسيط، لكنه رفض تحويل هذا المسار إلى تفاوض سياسي يستهدف موقعه داخل الدولة أو دوره في حماية الحدود. لذلك تمسّك بآلية غير مباشرة ذات طابع إجرائي، تبدأ فقط بعد وقف كامل للأعمال العدائية. هذه الآلية لا تقوم مقام طاولة حوار ولا تشبه المحادثات السياسية، بل هي وسيلة لضمان تنفيذ الالتزامات وتثبيت الهدنة، فيما تبقى الدولة الجهة الوحيدة التي تديرها وتتخذ القرار بشأنها. بهذه المقاربة، أخرج "الحزب" نفسه من خانة التفاوض وحوّل النقاش نحو الطرف الذي يمارس العدوان، أي إسرائيل، وما إذا كانت مستعدة لاحترام شروط وقف النار.

لم يمرّ البيان من دون رسالة واضحة للوسطاء، وخصوصاً للقاهرة. فالحزب رأى أن بعض المقاربات الدبلوماسية تتعامل مع وقف إطلاق النار وكأنه فرصة لإطلاق عملية مقايضة مقنّعة بـ"لغة التسوية". إذ إن الفكرة المطروحة كانت بسيطة في ظاهرها لكنها خطرة في جوهرها،حيث حاولت ربط التهدئة بخريطة خطوات تتعلق بالسلاح وموقعه داخل الدولة. وبالنسبة للحزب، كانت هذه المقاربة تكراراً لورقة المبعوث الاميركي توم برّاك التي كانت تقوم على استخدام الهدنة كممر لانتزاع مكاسب سياسية لم تتحقق عسكرياً. لذلك جاء الردّ مبكراً، فالانتقال إلى مرحلة ما بعد وقف النار يفترض أن يبدأ من الجهة التي تواصل العدوان لا من لبنان، وأن أي محاولة لتحويل الهدنة إلى ورقة ضغط على الداخل لن تجد طريقها إلى التنفيذ.

وفي المسار نفسه، كان للجيش دور حاسم في إعادة تثبيت حضور الدولة جنوباً، ليس عبر البيانات بل من خلال خطوات ميدانية واضحة على الأرض. هذا الانتشار سحب الذريعة التي استخدمتها إسرائيل طوال سنوات للاتهام أو التصعيد، ومع تراجع تلك الذريعة أصبح الحديث عن وجود السلاح في المنطقة بلا أساس عملي لأن الواقع الميداني تجاوزه. وبناءً على هذا التبدل، تحوّل التركيز داخل النقاش إلى نقطة جوهرية، فالسلاح لم يعد مطروحاً كملف تفاوض، بل بات عنصر حماية يضمن ألّا تُفرض شروط على لبنان أو يُبتزّ تحت عنوان الهدنة.
وتبرز أهمية البيان في الطريقة التي أعاد بها تحديد موقع السلاح داخل معادلة التفاوض. فالسلاح لم يعد بنداً مطروحاً للنقاش، بل تحوّل إلى عنصر يحدد حدود النقاش نفسه ويمنع تجاوزها. ومن هذا المنطلق، لم يعد الحديث عن السلاح كثمن تقدمه الدولة أو "الحزب"، بل كعامل يمنع فرض أثمان سياسية على لبنان تحت عنوان تثبيت الهدنة. هذا الفهم يوضح مقاربة "الحزب"، فهو لا يسعى إلى الحرب ولا يندفع نحوها، غير أنه يرفض في الوقت ذاته أن تتحول لحظة وقف إطلاق النار إلى فرصة لانتزاع ما لم تستطع إسرائيل تحقيقه بالقوة. وانطلاقاً من ذلك، يصبح أي حديث عن إعادة انتشار أو تنظيم جزءاً من قرار الدولة وخطتها الأمنية، لا خطوة تُقدّم للخارج كتنازل مجاني أو مقابل وعود.

ومع بروز هذا الواقع، لم يعد ممكناً التعامل مع الهدنة كمساحة لفرض تنازلات على لبنان. فهي ليست منحة، بل نتيجة توازن عملي منع إسرائيل من فرض شروطها. ومع تثبيت هذا التوازن، تبيّن أن أي محاولة لاستخدام الهدنة كورقة ضغط على الداخل محكومة بالفشل، لأن ما تحقق على الأرض لم يكن تنازلاً بل نتيجة قوة قائمة. في هذا السياق، لا يساوم "الحزب" على موقعه ولا يقايض عناصر القوة التي تحمي لبنان، إذ إن التراجع أمام الضغط لا يوقفه بل يدفعه إلى التصاعد، بينما التمسك بالثوابت هو ما يرسم الحدود ويحدد قواعد اللعبة.

في الخلاصة، لم يكن بيان "حزب الله" انتقالاً إلى مرحلة جديدة بقدر ما كان تثبيتاً لحدود النقاش بعد وقف إطلاق النار. فقد أكد أنه ليس خارج الدولة ولا يبحث عن المواجهة، لكنه في الوقت نفسه يرفض أن يتحول الضغط العسكري إلى مدخل لطرح ملفات داخلية، وأي حديث عن تفاوض يبقى محصوراً بالشق التقني المتعلق بوقف الاعتداءات، تتولاه الدولة وفق آلية واضحة، لا عبر مسارات سياسية تستهدف المقاومة ودورها. فالتوازن الذي أفضى إلى الهدنة هو نفسه ما يحدّد سقف ما يمكن بحثه، وما سيُقاس في المرحلة المقبلة ليس حجم التنازلات التي يُطلب من لبنان تقديمها، بل قدرته على حماية موقعه وقراره ضمن دولة تمسك بمسار التفاوض وتمنع تحويله إلى مقايضة.
مواضيع ذات صلة
تابع
Advertisement

أخبارنا عبر بريدك الالكتروني

إشترك

جاد الحاج - Jad El Hajj