Advertisement

لبنان

الجيش بين رسائل الخارج وحسابات الداخل…هل يتبدّل ايقاع المواجهة؟!

جاد الحاج - Jad El Hajj

|
Lebanon 24
20-11-2025 | 04:00
A-
A+
Doc-P-1444388-638992260592570405.jpeg
Doc-P-1444388-638992260592570405.jpeg photos 0
facebook
facebook
facebook
telegram
Messenger
Messenger
A+
A-
facebook
facebook
facebook
telegram
Messenger
Messenger
لم يعد السؤال المطروح في لبنان ما إذا كان المسار المتصل بقائد الجيش العماد رودولف هيكل يتجه نحو التصعيد، بل أصبح النقاش الفعلي يدور حول المرحلة التي بلغها هذا المسار وما إذا كان الضغط الجاري يفتح الباب أمام معادلة قد تنتهي بإقالته. إذ إنّ القراءة الأولية في خلفيات المشهد تبدو قاصرة لأن ما جرى في الأيام الماضية يشير إلى أن الاعتراض الأميركي لم يعد مرتبطاً بتفصيل أو موقف عابر بل تحوّل إلى عنصر ثابت في التعاطي مع المؤسسة العسكرية في لحظة حساسة من تاريخ المواجهة مع إسرائيل.
Advertisement

مصادر مطلعة تؤكد أن النقاش الدائر داخل الإدارة الأميركية لا يقتصر على الاعتراض على سلوك معيّن داخل الجيش، بل يذهب أبعد نحو التشكيك بالخيارات التي أرساها قائد الجيش خلال الفترة الماضية. إذ رأى بعض المتشدّدين في واشنطن أن المسار الذي اعتمده لم يعد ينسجم مع الخطوط العريضة التي جرى إيصالها إلى بيروت عبر الوفود الأميركية المتلاحقة. وتشير المصادر إلى أن الرؤية التي تقف خلف هذا التصعيد لم تنشأ نتيجة البيان الأخير للعماد هيكل كما جرى الترويج له، بل جاءت بعد سلسلة محطات بدأت عندما امتنع الجيش عن تنفيذ إجراءات ميدانية كان المطلوب منه تطبيقها في الجنوب وفق الطلب الأميركي والإسرائيلي، الأمر الذي اعتُبر في واشنطن خروجاً عن المسار الذي كانت تتوقعه.

وتضيف المصادر أن واشنطن تعاملت مع هذا الرفض باعتباره خروجاً مباشراً عن المسار الذي كانت تنتظره من الجيش، خصوصاً بعدما لوّح العدو باستهداف أي منطقة لا يغطيها انتشار المؤسسة العسكرية، وهو ما تُرجم لاحقاً بغارات طالت منازل مدنيين جنوبيين بمحاذاة مواقع للجيش في رسالة واضحة إلى القيادة. ولم يتوقّف التوتر عند هذا المستوى، إذ ارتفع منسوبه حين استخدم قائد الجيش في أحد تصريحاته توصيف <العدو> عند الإشارة إلى إسرائيل، وهو ما اعتبرته بعض الدوائر الأميركية تخلياً عن الحياد الذي يُفترض أن يكون في العلاقة التقنية بين الجيش والجانب الأميركي.

وتشير المعلومات إلى أن واشنطن أرسلت أكثر من إشارة غير مباشرة عبّرت فيها عن انزعاجها من أداء قيادة الجيش، وتحديداً خلال التحضير لزيارة كان يفترض أن يقوم بها العماد هيكل إلى العاصمة الأميركية، حيث أُلغيت اجتماعات كانت مقررة مسبقاً، الأمر الذي دفع قائد الجيش إلى صرف النظر عن الزيارة بالكامل. ورغم محاولة بعض الأطراف ربط هذا التوتر بكلمة قيادة الجيش، إلا أن ما تسرّب من مداولات داخل الإدارة الأميركية يوضح أن القرار بالتصعيد كان قد اتخذ قبل ذلك وأن البيان شكّل ذريعة تستخدم لتبرير ما تقرر سلفاً.

المصادر نفسها تكشف أن الموقف المتصلب الذي ظهر من بعض المسؤولين الأميركيين يتجاوز حدود المؤسسة العسكرية، ويشكّل إنذاراً للحكومة ورئاسة الجمهورية مع اقتراب نهاية العام، وهي المهلة التي غالباً ما تُستخدم كإطار زمني لقياس مدى تنفيذ المطالب الأميركية وفي مقدّمها إطلاق مسار فعلي لحصر السلاح في لبنان. كما تربط المصادر بين هذا التصعيد وبين الاعتقاد السائد لدى واشنطن أن استمرار النهج الحالي داخل المؤسسة العسكرية يسهّل حركة "حزب الله" في الجنوب ويعطّل أي محاولة لفرض وقائع جديدة على الأرض.

وتشرح المصادر أن ما أقلق الأميركيين فعلاً لم يكن مرتبطاً فقط بالموقف من الجنوب، بل شمل أيضاً مداخلة العماد هيكل داخل مجلس الوزراء خلال مناقشة التقرير الثاني لخطة حصر السلاح، حين رأى أن استمرار الاعتداءات الإسرائيلية يجعل المضي بالخطة أمراً غير واقعي ويدفع البلاد نحو توترات واسعة. وأُضيف إلى ذلك موقف رئيس الجمهورية جوزاف عون، الذي طلب من الجيش التصدي للتوغلات الإسرائيلية، الأمر الذي اعتبرته واشنطن محطة إضافية في مسار التوتر، إذ رأت بعض دوائرها أن هذه المواقف لا تنسجم مع المقاربة الأميركية التي تسعى إلى حصر دور الجيش في نطاق لا يلامس أي تماس مباشر مع إسرائيل.

وفي خضم هذا المناخ جاء الاتصال الذي أجراه رئيس الجمهورية بقائد الجيش، ليمنح المؤسسة غطاءً سياسياً واضحاً ويؤكد أن الجيش لن ينجرّ إلى المربعات التي يحاول البعض دفعه إليها، وأن الحملات التي تستهدفه من الداخل والخارج لن تغيّر موقعه. وقد شكّل هذا الموقف محطة مفصلية، لأنه أظهر أن لبنان الرسمي التقط الرسائل الأميركية بما تحمله من ضغوط، لكنه في الوقت نفسه أراد التأكيد على تمسكه بحدّ أدنى من السيادة في إدارة هذا الملف الحسّاس.

وتذهب المصادر إلى أن المشهد القائم لا يقتصر على الضغط على قائد الجيش، بل يتجاوز ذلك ليضع الدولة اللبنانية أمام مرحلة سياسية أكثر تعقيداً في الأسابيع المقبلة. إذ إن الجهات الأكثر تشدداً في الإدارة الأميركية تتعامل مع أي تغيير داخل المؤسسة العسكرية بوصفه مدخلاً لتعديل أوسع في موازين القوى الداخلية وصولاً إلى الانتخابات النيابية المقبلة. وترى هذه الجهات أن التباطؤ في إطلاق مسار نزع سلاح "حزب الله" يمثّل، من وجهة نظرها، إخلالاً بما تعتقد أنه التزام على لبنان، رغم إدراكها أن أي خيار صدامي ستكون انعكاساته خطيرة على المؤسسة العسكرية وتركيبتها وعلى الاستقرار الداخلي بشكل عام، الأمر الذي يجعل الضغط الحالي جزءاً من محاولة فرض إيقاع سياسي جديد لا من خطوة ظرفية عابرة.

الوقائع التي تتكشف تباعاً توحي بأن ما يجري ليس سجالاً عابراً، بل جزء من محاولة لإعادة رسم خطوط النفوذ داخل الدولة عبر تكثيف الضغط على المؤسسة العسكرية في لحظة تعتبرها واشنطن مناسبة لفرض توازنات سياسية جديدة. وتشير المصادر إلى أن هذا المسار لن يبقى محصوراً في الكواليس، إذ تُظهر الإشارات المتراكمة أن الضغوط القائمة تتّجه إلى التمدد تدريجاً نحو الحكومة ورئاسة الجمهورية خلال الأسابيع المقبلة، بما يعكس رغبة واضحة في إعادة صياغة المشهد اللبناني تحت سقف الضغوط الخارجية المتصاعدة.

في المحصّلة يبدو أن العماد رودولف هيكل وجد نفسه في قلب اختبار يتجاوز شخصه ويمس موقع الجيش داخل المشهد السياسي اللبناني، إذ يتقاطع الضغط الأميركي مع رغبات داخلية تسعى إلى تعديل قواعد اللعبة تحت سقف اللحظة الإقليمية الراهنة. ومع أن الموقف الرسمي الداعم للمؤسسة العسكرية يكتسب ثقلاً واضحاً، إلا أن المرحلة المقبلة ستحدد ما إذا كان لبنان قادراً على إدارة هذا الاشتباك السياسي المعقّد من دون الانزلاق نحو مسارات تضرب الاستقرار الذي يحاول الجيش حمايته رغم كل الضغوط.
مواضيع ذات صلة
تابع
Advertisement

أخبارنا عبر بريدك الالكتروني

إشترك

جاد الحاج - Jad El Hajj