Advertisement

لبنان

بينَ الأمس واليوم: لبنان في "قلب البابا" (حلقة 2)

خاص "لبنان 24"

|
Lebanon 24
24-11-2025 | 14:30
A-
A+
Doc-P-1446325-638996172785161634.jpg
Doc-P-1446325-638996172785161634.jpg photos 0
facebook
facebook
facebook
telegram
Messenger
Messenger
A+
A-
facebook
facebook
facebook
telegram
Messenger
Messenger
في مناسبة زيارة البابا لاوون الرابع عشر الى لبنان الاحد المقبل، يعيد "لبنان24" فتح صفحات الزيارات البابوية إلى "وطن الأرز".
Advertisement
 

وبعد مقال أول نشر بتاريخ 28-10-2025 بعنوان "لحظات تاريخية لـ"البابا" بولس السادس في لبنان"، هتف عاش لبنان تحت المطر، هنا حلقة ثانية عن زيارة البابا القديس يوحنا بولس الثاني الى لبنان بتاريخ 10و11 أيار 1997، كما دونها الاستاذ الراحل طلال سلمان.
 

كتب طلال سلمان في جريدة "السفير":
 

أخيرا، وبعد طول انتظار وترقب، وبكثير من الشوق يتم اللقاء، ويقف البابا يوحنا بولس الثاني، لأول مرة فوق الأرض المقدسة، يقبل ترابها ويتنفس هواءها المضمخ بعبق الرسالات السماوية وأنفاس الأنبياء، ويرحب به أهلها الذين شرفهم الموقع بالإرث النبيل، فيصلي بهم ويسمع منهم، ثم يقول لهم ما يرى أنه قد ينفعهم في أمور دنیاهم مع الظهر تحط طائرته في مطار بيروت الدولي، عابرة هذا البحر الأبيض المتوسط الذي طالما شكل حلقة اتصال وتواصل وتبادل للثقافات وصراعات وصدام في المصالح كثيراً ما موه نفسه باسم الدين وشعاراته الملتبسة.
 

مع لحظة وصوله ستبدأ المفاجآت السعيدة، وسيجد نفسه كأنما داخل حلم لم تيسره له أي من زياراته الكثيرة وجولاته الواسعة في أربع رياح الأرض فلسوف تتردد في سمعه أصداء الأذان لصلاة الظهر يرفعه المؤذنون في المساجد المجاورة مختلطة حتى التماهي بأصداء رنين أجراس الكنائس التي ستُقرع على امتداد لبنان تحية لقدومه.
 

بعد ذلك وعبر مصافحة جمهور مستقبليه، رئيس الجمهورية، رئيس المجلس النيابي، رئيس الحكومة ثم الوزراء والنواب وسائر الشخصيات الرسمية ورجال الدين ستتأكد تاريخية هذه اللحظة الممتعة وغير المسبوقة، فلأول مرة ستمتد نحوه، في مكان واحد وضمن صف واحد، أيدي مثل هذا العدد من الناس الموحدين في وطنهم وفي انتمائهم القومي على اختلاف انتماءاتهم الدينية والطائفية.
 

وفي ساحة المطار نفسه، وبينما المدفعية تدوي بطلقات الترحيب، وعبر الحفاوة بالضيف التاريخي، سيرف ظل قانا و"عرسها الدامي الجديد، والاحتلال الإسرائيلي الذي ما زال يسترهن بعض الجنوب والبقاع، وقد يتطرف بعض المستقبلين فيشير أو يومئ إلى أن أرض المطار ذاتها شهدت أول مذبحة للطائرات المدنية اللبنانية غداة الميلاد وعشية رأس السنة من العام 1968، وقد نفذها سلاح الجو الاسرائيلي بوحدة كان رئيس الوزراء الحالي بنيامين نتنياهو بين افرادها ومن قبل ان يكون لبنان قد غدا مقرالثورة الفلسطينية ومنطلق عمليات فدائييها. 
 

من المطار، اذا، سيبدأ قداسة البابا السير على درب الآلام اللبنانية، فللأمكنة في هذا الشرق ذاكرتها، فيصعب بالتالي الفصل بين الناس وتاريخهم والجغرافيا وسيتابعه الحشد وهو يتقدم من موقع إلى آخر املا ان تشكل زيارته ختاما الزمن الحرب على الذات ومع الذات. وذاكرة الطريق التي سيسلكها موكب البابا كفيلة بأن تختزل له مجموعة "الحروب" التي استهلكت اللبنانيين . ومعهم العديد من العرب وكادت تهلك لبنان وتشطبه عن خريطة العالم...ولسوف تحلق الطوافة التي ستنقل البابا من القصر الجمهوري إلى بكركي فوق الضواحي الشرقية لبيروت، ثم الطائفة، والتي تحاول الآن جاهدة ان تستعيد مكانها ومكانتها على خريطة وطنها الاصلي الواحد.
 

أما في الصرح البطريركي فلسوف يكون الهبوط صعباً لتكدس الهموم والاوجاع والمشاعر السقيمة وبينها عقد السيادة في الماضي والإحباط في الحاضر وافتقاد المرجعيات السياسية وغموض المستقبل. وبرغم اجتهاد البطريرك الصابر، وصلابته، فإن محاولة التعويض تقف قاصرة دون الطموحات او الاوهام التي تصر على استعادة ما كان. فالمرارة ليست سبيلاً صحيحا الى الاماني، وفرز الظلم والمظلومين على اساس طائفي ينقض العدل ويلغيه ثم يكون اللقاء مع الشباب، وتوقيع الارشاد الرسولي وإذاعة نصه الذي تطلب سنوات من الاعداد حفلت بمناقشات غنية ودراسات جادة ومحاورات لم تخل من الحدة، خصوصاً انها شكلت محاولة للعبور فوق الآلام والانكسارات والشهداء الذين يتبدى الآن وكأن دمهم قد
ذهب هدرا.
 

هنا يأتي دور الآمال التي نتمنى ان يعبر عنها الشباب بأمانة وبصدق وبحرص على مزايا لبنان الذي يشكل مثالاً نموذجيا للعيش المشترك لا نظير له ولا شبيه. وسيتاح للبابا أن يسمع، مبدئيا، الكلمة الواحدة
بصوتين. فالمسيحية في لبنان، في موقع الحكم كما في الوطن عموما، شهادة لعروبته وليست شهادة على هجانته او على انتماء مدعى الى الغرب. وهي تأكيد للانتماء الى الداخل، العربي - المشرقي، وليست عنوان صلة بالخارج. المسيحية أصيلة هنا وراسخة، لا هي وافدة ولا هي طارئة.
 

فالسيد المسيح ذاته هو ابن هذه الارض، وهو قد بعث برسالته إلى أهله فيها . وحين جاء النبي العربي محمد بن عبد الله برسالة الاسلام، فإنما اتى ليتمم مكارم الأخلاق، وهو قد حمل الرسالة - ايضا - الى اهله في هذه الارض...
لا المسيحية رفضت الاسلام، ولا الاسلام ألغى المسيحية. وارتفعت المآذن الى جانب الكنائس، وظل المؤمن يدخل الجامع أو الكنيسة باختياره الحر، إلا في زمن الفتن التي تحدثها السياسات المتعارضة والمصالح المتضاربة وليس الدين الداعي الى وحدانية الله وخير الناس.
 

وليست مشكلة هذه المنطقة، التي فيها لبنان، في تعدد الاديان والطوائف والمذاهب فيها. فهي لا تختزل بالطوائف او بالخلافات اللاهوتية. بل أن قبول كل طرف (ديني) بالآخر هو من مميزات هذه المنطقة ومن دواعي فخرها برحابة العروبة فيها.
انها منطقة مقهورة، مهمشة، محاصرة بالفقر والاحتلال والهيمنة الاجنبية وبرغم انها غنية بمواردها الطبيعية، وببشرها، إلا ان خيرها مصادر، اكثره يذهب الى الخارج المهيمن، وبعضه الى الطغيان المتحكم في الداخل. وليس للهيمنة دين، ولا يعصم الطغيان الإكثار من الشعائر والطقوس. ان البابا، بمعنى من المعاني، هو زعيم من الغرب.. وهو احد رموز المشكلة مع الغرب. وإذا كانت المنطقة قد راجعته في مواقفه من إسرائيل وفي تصريحاته الأخيرة حول السيد المسيح، واستوضحته بإلحاح حول القدس خصوصا وفلسطين وشعبها عموما فلأنها تتطلع الى موقف مبدئي منه كأعلى مرجع ديني للكاثوليك في العالم وليس كرئيس لدولة الفاتيكان. فالأرض هي الأرض وأهلها هم أهلها، في بيروت وكل لبنان، كما في القدس وكل فلسطين، وفي دمشق وكل سوريا، وبغداد وكل العراق ، وعمان وكل الأردن، والقاهرة وكل مصر وصولاً إلى اليمن والمغرب الأقصى.
 

ولسوف يشكو مسيحيو لبنان، او انهم سوف ينبهون الى خطورة ما يجري لمسيحيي الشرق ، وقد يظهرون تخوفهم من دعوات التطرف التي تصدر عن بعض الحركات الاسلامية التي لجأت وتلجأ الى العنف في مقابل العنف المضاد للسلطات الحاكمة في هذا القطر العربي او ذاك.
 

لكن البابا يدرك، ولا شك أن هذا التطرف نتيجة لا سبب، وانه ظاهرة تؤذي العرب كلهم اشد الإيذاء، وتؤذي المسلمين منهم بأكثر مما تؤذي اخوتهم المسيحيين، وانه في جانب منه رد فعل على القهر الوافد من حصار الخارج الغربي حتى لو كان مصدره المباشر اسرائيل التي هي "غرب" بالمطلق، وليست من الشرق إلا في الموقع الذي احتلته بالسلاح. كذلك فإن هذا التطرف في جانبه الآخر هو رد فعل فج ومتخلف على قهر الانظمة الحاكمة التي لا يمكن الشهادة لها لا بالعدل ولا بالمساواة بين مواطنيها مسلمين ومسيحيين ولا بحرصها على حرياتهم ومؤسساتهم اديموقراطية وحقوقهم الطبيعية وكراماتهم كبشر.
 

والخطأ مرفوض، وكذلك الظلم، وكذلك القهر وسواء أصدر عن الحاكم "المسلم"، أم عن المتحكم الغربي مسيحياً كان او يهوديا (في اسرائيل) الأحد سيصلي البابا على طرف مستحدث عند رأس بيروت، في جموع المؤمنين، ولسوف يتاح له في رحلة العودة الى المطار ان يرى الكثير من بقايا الخراب الذي ألحقته الحرب ببيروت فدمر ،قلبها، تمهيداً لتشطيرها بين "شرقية" و"غربية". كذلك سوف يتاح له ان يعرف شيئاً عن جماهير الفقراء الذين اخرجهم الاحتلال الإسرائيلي من قراهم او هجرهم العوز من بلداتهم ومن ارضهم التي لم تعد تطعمهم فجاؤوا يتكدسون في ضواحي البؤس من حول بيروت.
 

ومتى عرف البابا يوحنا بولس الثاني ان هؤلاء، بكتلتهم العظمى من المسلمين، فلسوف يدرك ان التبدل الذي طرأ على النظام ومواقع اطرافه، لم يأخذ الثروة من المسيحيين ليذروها على المسلمين، بل ان هؤلاء وأولئك ما زالوا متقاربين في مستوى الدخل، همومهم واحدة وتطلعاتهم واحدة وإن افترضوا أو أوهموا بأنهم مختلفون لقد سقط النظام القديم لنقص في كفاءته وقدرته على تبرير نفسه لمواطنيه، مسيحيين ومسلمين. وثمة اعتراضات عديدة على اخطاء النظام الجديد وخطاياه وقصوره عن تلبية احتياجات مواطنيه مسلمين ومسيحيين.
 

والحل بأن يتلاقى المظلومون وبأن يتكاتفوا ويتعاونوا لرفع الظلم وتصحيح الخطأ. فاستنكاف "المسيحي" يدفع ثمنه "المسلم" الذي يتحكم به من جديد، أمير طائفته، بإدامة الاستنفار، خوفا من تجدد التحالفات - او المقامرات - مع الخارج، ولا سيما الإسرائيلي ونتمنى ان تكون زيارة البابا منطلقاً لحوار اكثر صحة وأكثر سلامة بين أبناء الماضي الواحد، أبناء المصير الواحد، أبناء الأرض الواحدة، وصناع المستقبل الواحد.
مواضيع ذات صلة
Advertisement

أخبارنا عبر بريدك الالكتروني

إشترك

خاص "لبنان 24"