عادت قضية المفاوضات مع
إسرائيل إلى الواجهة. حيث ذكرت صحيفة «الأخبار» أن رئيس الجمهورية جوزيف عون سيُبلغ الموفدة الأميركية مورغان أورتاغوس رسمياً بأن
لبنان «اختار بول سالم، رئيس معهد
الشرق الأوسط في واشنطن، لتمثيله في المفاوضات»، وأنه سيكلّفه بعقد اجتماع مع مندوب إسرائيلي برعاية أميركية لإطلاق المسار التفاوضي.
وكشفت مصادر متابعة أن قرار عون الذي التقى سالم قبل أيام من زيارة البابا، «أحدث توتراً بين بعبدا وحارة حريك، وأثار استياءً في عين التينة»، لا سيما أن لبنان لم يحسم بعد آلية التفاوض، وطبيعة الوفد المفاوض، ولا شكل المفاوضات، ولأن عون «اتخذ القرار منفرداً، من دون التشاور مع أحد، حتى في اختيار سالم، ومن غير الواضح إذا كان التفاوض سيتم عبر الميكانيزم أو عبر قناة أخرى».
وتوقّعت المصادر أن تتّسع الهوّة حول هذا الملف، خصوصاً أن عون، الذي تحدّث خلال زيارة البابا عن «السلام بين أبناء إبراهيم»، سيستند إلى ما قاله البابا لدعم قبل مغادرته لبنان، بأن «الأسلحة تقتل، أمّا التفاوض والوساطة والحوار فتبني».
وفي السياق نفسه، تردّدت أمس معلومات عن دور يقوم به السفير البابوي في لبنان، المونسنيور باولو بورجيا، في ملف المفاوضات. ونقلت شخصيات لبنانية التقته في اليومين الماضيين أنه «طمأنها بأن لا حرب في المدى المنظور»، وأن البابا «سمع كلاماً واضحاً من المسؤولين اللبنانيين، وسيجري اتصالات إقليمية ودولية بهدف خفض التوتر والدفع باتجاه مفاوضات جدّية».
وفي موازاة ذلك، تحدثت «القناة 14»
الإسرائيلية، القريبة من نتنياهو، عن «وساطة تعمل عليها القاهرة بين إسرائيل وحزب الله لمنع اندلاع مواجهة واسعة»، مشيرة إلى أن «
حزب الله يرفض حتى الآن هذه الوساطة بحجة أنه لا يريد تجاوز الحكومة اللبنانية». وأضافت القناة أن «دخول مصر على هذا الخط يُعدّ إشارة واضحة إلى مدى اقتراب الوضع في
الشمال من الانفجار».
وفي هذا السياق، أكّد دبلوماسي أوروبي في حديث إلى صحيفة «يديعوت أحرونوت» الإسرائيلية أن «ثمّة خطراً متزايداً من تصاعد التوتر على الجبهة
اللبنانية عقب اغتيال أحد قياديّي حزب الله»، مشدّداً على أنّ «من حقّ إسرائيل أن تتحرّك إذا حاول الحزب استعادة نشاطه في جنوب لبنان». وكشف الدبلوماسي أنّ «إسرائيل قد تُقدم على توجيه ضربة إلى إيران خلال الأشهر الاثني عشر المقبلة»، لكنه أشار في المقابل إلى أنّ «واشنطن لن تسمح لإسرائيل في المدى القريب بشنّ هجوم واسع على إيران، حفاظاً على خطّتها المتعلقة بغزة».
وكتب داوول رمال في" نداء الوطن": يأتي يوم الخميس محمّلًا بجرعة عالية من الترقب السياسي والأمني، مع تزامن استثنائي بين اجتماع "الميكانيزم "صباحًا وتقرير الجيش اللبناني الثالث والأخير لهذا العام أمام
مجلس الوزراء عصرًا في قصر بعبدا.
هذا التزامن المضغوط بالمضامين والمواعيد لا بل المهل المسقِطة، يعكس مسارًا متسارعًا في ملف حصرية السلاح، خصوصًا في منطقة جنوب الليطاني، حيث يتقاطع الميداني مع الدبلوماسي وتتقدّم الوقائع على الأرض على كل ما عداها. فالاجتماع المرتقب للميكانيزم سيُعقد بوجود الموفدة الأميركية مورغان أورْتاغوس، التي تعود إلى
بيروت مباشرة من تل أبيب بعدما عقدت اجتماعات بالغة الأهمية مع رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه إسرائيل كاتس، ما يمنح مشاركتها في "الميكانيزم" طابعًا استثنائيًا ويضعه في خانة الاجتماعات التي تسبق عادة محطات مفصلية.
المؤسسة العسكرية تريد أن تضع النقاط على الحروف في تقريرها الثالث، الذي تُرجّح مصادر معنيّة أن يتضمّن إعلانًا بانتهاء الجيش من تنفيذ معظم المهام الموكلة إليه جنوب الليطاني، باستثناء المناطق التي تحتلّها إسرائيل حيث لا قدرة تنفيذية للبنان. وفي حال صحّت هذه التقديرات، فإن التقرير سيفتح الباب أمام الإعلان عن بدء المرحلة الثانية من خطة حصرية السلاح في شمال الليطاني، وهو تطوّر كبير سيعيد رسم الخريطة الأمنية اللبنانية في اتجاه جديد. في موازاة هذه المعطيات، يطرح كثيرون سؤالًا أساسيًا عن السبب وراء عدم طلب أورْتاغوس أي مواعيد رسمية في بيروت، رغم أهمية موقعها في الآلية الأمنية الجاري العمل بها. الجواب، وفق مطّلعين، أن البعد السياسي للملف تتولاه واشنطن عبر سفيرها في بيروت ميشال عيسى، الذي يُدير قناة التواصل مع المؤسسات الرسمية، وأن الدور التقني – الأمني الذي تضطلع به أورْتاغوس لا يفترض لقاءات سياسية مباشرة.