ترأس متروبوليت
بيروت وتوابعها
المطران الياس عودة خدمة قداس عيد القديس نيقولاوس العجائبي في
كنيسة القديس نيقولاوس بحضور حشد من المؤمنين.
وبعد الإنجيل ألقى عظة قال فيها: "يظهر لنا إنجيل اليوم أن التطويبات حقيقة تعاش واقعيا. فكل من يعيش في عالم اليوم يشعر بثقل الألم والخوف والظلم والتحديات الأخلاقية والروحية والحياتية. كثيرون يبكون من الفقر أو الظلم، ويجوعون إلى العدالة والحق، ويشعرون بأنهم منبوذون بسبب تمسكهم بقيم الإنجيل. إلى هؤلاء كلهم يتوجه
المسيح معلنا «طوبى لكم»، ليس لأن الألم بذاته حميد، بل لأن الله حاضر في عمق الألم، يحول
الجراح إلى نعمة. هذا ما عاشه القديس نيقولاوس، إذ صار للمساكين معزيا، وللخطأة رجاء، وللمظلومين نصيرا، حتى إن اسمه ارتبط بالعجائب لأن محبته سمت فوق حدود الطبيعة. تعلمنا سيرته أن الإنسان المسيحي لا يكتفي بإيمان نظري. فالقديس كان رجل صلاة وعمل معا. لم يكن كاهنا ينطق بكلمات عظيمة ثم يترك الفقراء لقدرهم، بل كان يدخل إلى عمق حاجة الإنسان ويساعده دون أن يعرف أحد، كما في قصة الفتيات الثلاث اللواتي وهبهن المال سرا لينقذهن من السوء. كان قلبه هيكلا حيا، وذبيحته كانت
الرحمة".
وقال: "وإذ يطلب الرسول بولس من المؤمنين أن يصلوا من أجله ومن أجل الإخوة، نسمع صدى طلبه في حياة القديس نيقولاوس الذي كان يرفع الجميع في صلاته، فنفهم أن الكنيسة لا تقوم على فردية روحية، بل على شركة في المحبة والصلاة والخدمة. اليوم، يحتاج المسيحي أن يستعيد هذا الحس الكنسي العميق، أي أن يكون جزءا من الجسد الواحد، يشعر مع الآخرين، ويصلي من أجلهم، ويخدمهم بفرح. يذكرنا الرسول بولس بأن إله السلام يكملنا في كل عمل صالح. هذه العبارة تكاد تكون شرحا روحيا لحياة القديس نيقولاوس، إذ لم يكن يعتمد على قوته ولا على حكمته، بل
على الله الذي يكمل. لذلك يستطيع المؤمن، في وسط عالم يضغطه، أن يجد العزاء في الله، عالما أنه ليس وحده في جهاده، بل الله يعمل فيه، والقديسون يتشفعون به، والكنيسة تسنده. لذلك يقول لنا
الرب: «إفرحوا وتهللوا» لا بفرح سطحي يتجاهل الألم، بل بفرح مبني على الرجاء بأن المسيح حاضر، وأن ملكوته يقترب، وأن
الصليب ليس النهاية".
وسأل: "كيف يمكننا أن نتشبه بالقديس نيقولاوس اليوم؟ لعل الخطوة الأولى أن نسمح للإنجيل أن يدخل واقع حياتنا، فلا نهرب من دعوة التطويبات، بل نعيشها قدر المستطاع، بأن نكون بسطاء، ودعاء، صادقين في إيماننا، قريبين من الجائعين والمتألمين، وشاهدين للمسيح في عملنا وعائلاتنا ومجتمعنا. وأن ننفتح على حياة الكنيسة، مطيعين توجيهات مرشديها، ومساهمين في رسالتها، وواعين أن خلاصنا ليس مشروعا فرديا بل مسيرة جماعية. لنتشبه بالقديس نيقولاوس، ولو قليلا، لنصبح مثله أيقونات للمسيح في العالم".
وختم: "ألا منحنا الرب قلبا رحيما كقلبه، وإيمانا ثابتا كإيمانه، ومحبة عاملة كمحبته، لننال نحن أيضا نصيبا من التطويبات، ونصبح أبناء الملكوت، نشهد للنور وسط دهر مظلم".