Advertisement

لبنان

في عصر صناعة المحتوى: لماذا لا يجب أن نثق بالمؤثّرين بسهولة؟

زينة كرم - Zeina Karam

|
Lebanon 24
08-12-2025 | 02:30
A-
A+
Doc-P-1452179-639007808146080572.jfif
Doc-P-1452179-639007808146080572.jfif photos 0
facebook
facebook
facebook
telegram
Messenger
Messenger
A+
A-
facebook
facebook
facebook
telegram
Messenger
Messenger

شهد لبنان خلال السنوات الأخيرة انفجاراً غير مسبوق في صناعة المحتوى، حيث باتت المنصّات الرقمية تعجّ بمؤثّرين يقدّمون أنفسهم كمصدر للمعلومة، الرأي، الترفيه، وحتى الحلول الاقتصادية والاجتماعية. وبين فيديو يُبرز قسوة الواقع، وآخر يُسوّق لمنتج، وثالث يتناول السياسة بأسلوب كوميدي، يجد اللبناني نفسه محاطاً بمئات الأصوات التي تتنافس على جذب انتباهه. لكن خلف هذا اللمعان، تكمن حقيقة يجب التوقّف عندها: ليس كل مؤثّر مصدراً موثوقاً، ولا كل محتوى بريئاً أو صادقاً.
Advertisement

أول ما ينبغي فهمه هو أن صناعة المحتوى في لبنان ليست عملاً عفوياً. إنها سوق كاملة تقوم على الإعلانات، عقود الترويج، الهدايا، العلاقات مع الشركات، وأحياناً مع جهات سياسية واقتصادية. المؤثّر الذي يظهر كل يوم على الشاشة قد يكون خاضعاً لأجندة معينة، أو متأثّراً بمصدر تمويل مخفي، أو ببساطة مدفوعاً برغبة في رفع المشاهدات بغضّ النظر عن دقة ما ينشره. وهنا تكمن المشكلة: المحتوى الذي يبدو تلقائياً قد يكون مدروساً بدقة لخدمة هدف لا يُصرَّح عنه.

إضافة إلى ذلك، تميل المنصّات الرقمية إلى مكافأة المحتوى الصادم والسريع، لا المحتوى العميق أو المستند إلى مصادر موثوقة. لذلك، يلجأ العديد من المؤثّرين إلى أساليب مبالغ فيها، منها تضخيم الوقائع، نشر أخبار غير دقيقة،  بداء آراء قطعية حول قضايا معقّدة، أو حتى إثارة البلبلة فقط لجذب التفاعل.

هذا النوع من المحتوى، رغم جاذبيته، يساهم في نشر معلومات مضلّلة ويتسبب بحالة من الهلع أو التشويش لدى الجمهور. والأسوأ أنه يجعل اللبناني يعتمد في فهم الواقع على أشخاص قد لا يمتلكون أي خبرة أو معرفة حقيقية بالموضوع الذي يتكلّمون عنه.

جانب آخر لا يقلّ خطورة هو تحوّل المؤثّرين إلى "سلطة بديلة". ففي بلد يعاني من ضعف الثقة بالمؤسسات الإعلامية والسياسية، بات كثيرون يفضّلون "رأي صانع محتوى" على رأي خبير مختص. وهنا يحدث الخلل. المؤثّر ليس صحافياً، ولا خبير اقتصاد، ولا طبيب، ولا باحثاً سياسياً. هو شخص يقدّم رأيه من زاويته الخاصة، لكنه يحظى بصدقية كبيرة فقط لأنه محبوب أو طريف أو قادر على صياغة فيديو جذّاب.

كما أن بعض المؤثّرين يستخدمون قوتهم الرقمية للتشهير بالأشخاص أو المؤسسات من أجل زيادة التفاعل، ما يؤدي إلى محاكمات شعبية خطيرة تُبنى على مقطع فيديو لا على حقائق مثبتة. وفي بلد هش مثل لبنان، يصبح هذا النوع من التأثير سلاحاً قد يضر بالأفراد ويشوّه الحقائق.

هذا لا يعني أن صناعة المحتوى سيئة بالكامل، ولا أن المؤثرين جميعهم مخادعون. بالعكس، هناك من يستخدم منصّته لنشر الوعي، محاربة الفساد، الدعم النفسي، أو إبراز قصص إيجابية من المجتمع. لكن المشكلة تكمن في المبالغة في الثقة واعتبار المحتوى الرقمي بديلاً عن الإعلام المحترف أو الخبراء الفعليين.

في النهاية، المطلوب ليس مقاطعة المؤثّرين، بل الاحتفاظ بمسافة نقدية. فالمتابع الذكي يسأل: من يمول هذا الشخص؟ ما مصدر معلوماته؟ هل يستفيد من هذا الموقف؟ وهل يعرض كل جوانب القضية أم جانباً واحداً فقط؟

صناعة المحتوى اليوم أقوى من أي وقت مضى، لكن قوتها يجب أن تُواجَه بالوعي… لا بالانجرار.
 
مواضيع ذات صلة
تابع
Advertisement

أخبارنا عبر بريدك الالكتروني

إشترك

زينة كرم - Zeina Karam