تصفّح بدون إعلانات واقرأ المقالات الحصرية
|
Advertisement

لبنان

لودريان في بيروت.. عودة فرنسية إلى لبنان تحت المظلّة الأميركية؟!

حسين خليفة - Houssein Khalifa

|
Lebanon 24
10-12-2025 | 06:00
A-
A+
Doc-P-1453175-639009683652141745.jpg
Doc-P-1453175-639009683652141745.jpg photos 0
facebook
facebook
facebook
telegram
Messenger
Messenger
A+
A-
facebook
facebook
facebook
telegram
Messenger
Messenger
 مرّة أخرى، حطّ المبعوث الفرنسي جان إيف لودريان في بيروت، بعد غياب "نسبيّ" لباريس عن المشهد اللبناني، منذ انتخاب رئيس الجمهورية وتشكيل الحكومة، ولو خرقه لودريان نفسه في أكثر من محطّة ومناسبة، لكنّ زيارته هذه المرّة تكتسب أهميتها أيضًا من حيث التوقيت أولاً، الذي تتشابك فيه المسارات، بين الأمني والعسكري والسياسي، ولعلّ ما يربطها جميعًا "ثابت وحيد"، هو غياب الاستقرار، في ظلّ الخروقات الإسرائيلية بحرب ومن دونها.
 
في هذا المناخ "الرماديّ" إن صحّ التعبير، حيث تلوّح إسرائيل بالحرب من جديد، فيما يحاول لبنان تجنّبها بانفتاحه على خيار التفاوض، ويعوّل على المجتمع الدولي، وفرنسا من ضمنه للضغط على إسرائيل لعدم تكرار ما فعلته قبل عامين، كثافة اللقاءات التي عقدها لودريان، وتنوّع الجهات التي شملتها، مؤشرًا واضحًا إلى أن باريس لا تزال معنية بالشأن اللبناني، وأنها تحاول ربما الانتقال مجددًا إلى موقع الحضور السياسي العلني، بعد انكفاء نسبيّ.
 
لكن الإشكالية الأساسية التي تطرحها هذه الزيارة لا تتصل بسؤال "العودة بعد غياب" بمعناه التبسيطي. ففرنسا، خلافًا لما يُروَّج أحيانًا، لم تكن غائبة تمامًا عن المشهد اللبناني في الأشهر الماضية، بل كانت حاضرة في الخلفية، في الاتصالات، وفي مواكبة الكثير من التفاصيل، ولو من خارج الأضواء. غير أن ما كان مؤجّلًا هو الانتقال إلى الواجهة، لا الحضور من حيث المبدأ، فلماذا تتحرّك باريس الآن؟ وما حدود هذا التحرّك في لحظة تتصدّر فيها واشنطن المشهد؟
 
توزيع أدوار بين واشنطن وباريس
 
منذ اتفاق وقف إطلاق النار، بدا واضحًا أن الولايات المتحدة تولّت إدارة البعد الأكثر حساسية في الملف اللبناني، أي البعد الأمني المتصل بجبهة الجنوب، من التهدئة إلى التفاوض، ومن آليات وقف إطلاق النار إلى إدارة التوازنات الميدانية. وعلى الرغم من اعتبار البعض واشنطن "وسيطًا غير نزيه"، بسبب انحيازها الدائم لإسرائيل، يعتبر البعض أنّ هذا التموضع كان طبيعيًا، نتيجة إدراك دولي بأن مفتاح الحرب والسلم في هذه المرحلة بات مرتبطًا بشكل مباشر بتفاهمات إقليمية ودولية تتجاوز قدرة أي طرف أوروبي على إدارتها منفردًا.
 
في المقابل، لم تدخل فرنسا في سباق مع واشنطن على هذا الخط، ولم تحاول مزاحمتها في الملف الأمني. يقول المطّلعون على الأمر إنّ الخيار الفرنسي كان مختلفًا منذ البداية: البقاء في موقع المراقب المتابع، لا اللاعب الأول. وهذا لم يكن تعبيرًا عن ضعف بقدر ما كان انعكاسًا لتوزيع أدوار غير مكتوب، تولّت واشنطن بموجبه إدارة الاشتباك، فيما احتفظت باريس لنفسها بدور مؤجّل مرتبط بمرحلة ما بعد التهدئة، أي بالاستقرار، وإعادة ترتيب الدولة، والدعم الاقتصادي والمؤسساتي.
 
من هنا، يصبح مفهوماً لماذا بقي الدور الفرنسي في الأشهر الماضية أقل صخبًا من الدور الأميركي. ففرنسا، بخلاف الولايات المتحدة، لا تمتلك أوراق ضغط عسكرية في الساحة اللبنانية، ولا ترغب في الدخول في مواجهة سياسية مباشرة مع "حزب الله" أو مع المعادلات الإقليمية المرتبطة به. وإذا كان صحيحًا أنّ باريس تريد استعادة دورها في لبنان، فإنّ الصحيح أيضًا أنّها تريد أن يحصل ذلك من البوابة السياسية والاقتصادية في المقام الأول، وهو ما يتوقع أن يحصل بوتيرة مكثّفة، لكن في مرحلة ما بعد النار.
 
لماذا تتحرّك باريس الآن؟
 
عمومًا، يقول العارفون إن التحرّك الفرنسي العلني في هذا التوقيت لا يمكن فصله عن إدراك متزايد بأن لبنان يقترب من عتبة مرحلة جديدة، حتى لو لم تتبلور ملامحها النهائية بعد، خصوصًا بعد بدء المفاوضات. ويبدو بحسب هؤلاء، أنّ باريس أرادت أن توجّه من خلال تحرّك لودريان إشارة أولى وواضحة بأنها تريد أن تكون حاضرة في رسم ملامح المرحلة المقبلة، لا أن تجد نفسها لاحقًا أمام وقائع مكتملة الصنع من دون دور يُذكر.
 
كما أن هذا التحرّك يرتبط بحسابات أوروبية أوسع. فالاتحاد الأوروبي، الذي يتابع بقلق التداعيات الاقتصادية لأي انفجار لبناني جديد، يدرك أن الاستقرار في لبنان ليس تفصيلاً إنسانيًا فقط، بل عنصر أساسي في أمن شرق المتوسط، وفي ملف اللاجئين، وفي التوازنات الاقتصادية الهشّة في المنطقة. ومن هنا، يصبح الدور الفرنسي بمثابة رأس حربة أوروبي في مقاربة تقوم على "تثبيت الدولة" بدل إدارة الاشتباك.
 
اللافت في لقاءات لودريان، وفي الرسائل التي حملها، هو التركيز الواضح على الجيش اللبناني، وعلى القرار 1701، وعلى ما يُعرف بـ"الميكانيزم" المرتبط بآليات تطبيقه. وبهذا المعنى، فإن فرنسا لا تتحرّك على خط "الحل الأمني"، بل على خط "الإدارة السياسية للاستقرار"، وهو خط بالغ الحساسية، لأن أي خلل فيه قد يعيد خلط الأوراق من جديد، أي أن ما تفعله باريس هو التحضير لمرحلة لاحقة، والعمل على تثبيت موطئ قدم في الترتيبات التي ستلي وقف النار، متى نضجت شروطه.
 
هذا يعني عمليًا أن الدور الفرنسي سيبقى، في المدى المنظور، ضمن هامش مضبوط، لا يصطدم مباشرة بالدور الأميركي، ولا يتقاطع معه في نقاط اختبار قاسية. هو دور مكمّل، لا بديل، ودور سياسي - اقتصادي أكثر منه أمنيًا.وانطلاقًا من ذلك، يصبح واضحًا أنّ زيارة لودريان لا تحمل تسوية كبرى، لكنها تؤشر إلى مرحلة انتقالية دقيقة تسعى فيها باريس إلى أن تكون جزءًا من مشهد ما بعد التهدئة.
باختصار، فرنسا لا تدخل على خط الحرب، بل على خط تنظيم نتائجها السياسية والاقتصادية عندما يحين الوقت. وإذا كانت واشنطن تمسك اليوم بمفتاح خفض التصعيد، فإن باريس تحاول أن تضع يدها على مفتاح إعادة تركيب الدولة، متى توافرت شروط الحد الأدنى من الاستقرار. بين هذين الدورين، يُعاد رسم موقع لبنان في خارطة الاهتمامات الدولية، لا كجبهة مشتعلة فقط، بل كدولة على حافة إعادة ترتيب، إذا لم تُسقطها التطورات الميدانية مجددًا في دوامة النار.
Advertisement
مواضيع ذات صلة
تابع
Advertisement

أخبارنا عبر بريدك الالكتروني

إشترك

حسين خليفة - Houssein Khalifa