استبشرت القطاعات السياحيّة خيرًا في زيارة قداسة الحبر الأعظم إلى
لبنان، خصوصًا أنّها تزامنت مع التحضير لعيدي الميلاد ورأس السنة، لجهة دعوته للسلام والاستقرار، ولجهة المشهديّة الجميلة التي نقلها الإعلام الأجنبي، الذي غطّى محطّات الزيارة في ربوع لبنان، عاكسًا جمالية
هذا البلد وفرادة شعبه، بشهادة البابا نفسه. لكن، سرعان ما عاود العدو
الإسرائيلي تصعيده جنوبًا بعد انتهاء الزيارة، فكيف سينعكس الوضع الأمني على الموسم السياحي خلال فترة الأعياد؟ وهل تنقذ المفاوضات التي بدأت في إطار لجنة الميكانيزم ما تبقى من الموسم؟
رئيس اتحاد النقابات السياحية ونقيب أصحاب الفنادق بيار الأشقر لم يستبعد التأثير السلبي للتصعيد الإسرائيلي على سياحة الأعياد، حتّى لو كان محدودًا في الجنوب. وإذ أشار في حديث لـ "
لبنان 24" إلى اعتياد اللبنانيين مثل هذه الظروف، لفت في الوقت نفسه إلى أنّ الجو الإعلامي وما يعكسه من مخاوف من ضربات أوسع نطاقًا، يلقي بتبعاته على الموسم السياحي، خصوصًا أنّ الحروب هي العدو الأول للسياحة، والرسائل التهديديّة يتناقلها الإعلام العربي والأجنبي.
الفنادق: الأقل استفادة من سياحة الأعياد
الإشغال الفندقي ارتفع بشكل ملحوظ خلال زيارة البابا، بفعل الوفود الإعلاميّة الكبيرة، وقدوم عدد من الرعايا
المسيحيين من البلدان المجاورة للقاء قداسته، لاسيّما من
سوريا والعراق والأردن ومصر "لكن كّنا نتوقع أعدادًا أكبر من الزائرين، إلّا أنّ عملية الاغتيال التي سبقت الزيارة في الضاحية الجنوبيّة لبيروت، جعلت عددًا من الزوار يتراجعون عن زيارة لبنان".
رغم ذلك، لفت الأشقر إلى وجود مؤشّرات على حركة سياحيّة واعدة، إذ أنّ حجوزات الطيران "مفولة" دون أن يكون هناك رحلات إضافيّة"لكن حركة الطيران لا تنسحب بالضرورة على حجوزات الفنادق، حيث يفضّل المغتربون اللبنانيون القادمون الإقامة مع عائلاتهم". موضحًا أنّمصطلح المغترب يشمل ليس فقط من هاجر قديمًا، بل أيضًا من هاجر في السنوات الأخيرة بقصد العمل في الخارج، بحيث يزور هؤلاء ذويهم وعائلاتهم خلال فرصة الأعياد.
حركة موسمية محدودة وسط غياب السائح الخليجي
قدوم المغتربين يحرّك القطاعات السياحيّة من دون شك، لكن بنسب محدودة ولفترة وجيزة، وفق الأشقر، إذ أنّ احتفالات عيد الميلاد غالبًا ما تكون عائلية، وفي المنازل، بينما في ليلة رأس السنة، تتوجه العائلات لحضور الحفلات أو المشاركة في التجمعّات ، كما أنّ الأنشطة الخارجيّة مثل التزلج تحرّك السياحة في المناطق الجبليّة. لكن هذه الزيارات تكون قصيرة نسبيًا، بمعّدل ثلاثة أيام، ولا تمثّل موسمًا سياحيًّا كاملاً كما كان الأمر في السابق، حيث كانت تمتّد فترة التزلّج لأيام عدّة، بدءًا من 22 كانون الأول ولغاية 5 أو 6 كانون الثاني. كما كانت هناك عطلة ثانية في
السعودية في شهر شباط تمتد لحوالي 10 إلى 15 يومًا، مما يعني أنّ موسم الاحتفالات والعطلات كان يستمر لفترة طويلة، ليصل إلى شهر بين عطلتي الأعياد وشهر شباط. هناك عامل آخر لا يقلّ تأثيرًا، يتمثّل في انكفاء السائح الخليجي في السنوات الأخيرة، وعلى رغم تحسّن الأوضاع السياسيّة، إلا أن السياح الخليجيين، لا يأتون بأعداد كبيرة كما في السابق، خصوصًا السعوديين منهم.
سياحة الأرياف ناشطة
شهدت السياحة الداخليّة نشاطًا ملحوظًا في السنوات الأخيرة، لاسيّما وأنّ الأزمة الاقتصاديّ، وما رافقها من تراجع كبير في القدرة الشرائيّة، ساهم في الحدّ من سفر اللبنانيين إلى الخارج لتمضية العطلات والاستجمام، فاستبدلوا السفر بالسياحة الداخليّة، وقد ساهم في ذلك انتشار بيوت الضيافة والشاليهات في المناطق الجبليّة، حيث بدأ اللبنانيون باكتشاف مناطق جديدة داخل بلدهم، وازدهرت أنشطة الهايكنغ وسياحة الأرياف في مناطق طبيعية خلّابة، جذبت اللبنانيين المقيمين، وكذلك سياح متخصصين في هذه الأنشطة، حيث باتت بيوت الضيافة والشاليهات وجهات سياحيّة لهم، ولقد عبّروا عن إعجابهم الشديد بالطبيعة اللبنانيّة، حتى أنّ البعض وصفها بأنّها أجمل من سويسرا، وفق توصيف الأشقر، لافتًا إلى أنّ هذا القطاع غير منظّم، ولا يدفع أصحابه الضرائب إسوة بالفنادق.
قدرة البلد بمقيميه ومغتربيه على المفاجأة تتجاوز البعد الأمني
على الرغم من التحديات، يصف الأشقر لبنان بـ"بلد العجائب" الذي يأسر الزائر بجماليته وتنوّع بيئاته، ومطبخه الغني، فضلًا عن الإبداع الذي يتميّز به اللبنانيون وحبّهم الفطري للضيافة.
في المحصّلة، يقف الموسم السياحي خلال فترة الأعياد، بين دفعٍ إيجابي حملته زيارة البابا وما رافقها من صورة مشرقة عن لبنان، وبين قلقٍ يفرضه التصعيد جنوبًا وما يتركه من تبعات حول قرار السائح. ومع ذلك، من المتوقّع أن يقصد عدد من المغتربين بلدهم في موسم الأعياد،بصرف النظر عن التوتّر الأمني جنوبًا، فيما تبقى مؤشّرات الحركة الداخليّة، وزخم سياحة الأرياف، والأجواء الميلادية التي بدأت تشهدها المناطق، عناصر جاذبة، تعزّز الأمل بإحياء ما تبقّى من الموسم.