تصفّح بدون إعلانات واقرأ المقالات الحصرية
|
Advertisement

لبنان

رغم دعوات الاصلاح.. الرشوة لا تزال تتحكم بتفاصيل حياتنا

زينة كرم - Zeina Karam

|
Lebanon 24
15-12-2025 | 02:30
A-
A+
Doc-P-1455308-639013878749585941.webp
Doc-P-1455308-639013878749585941.webp photos 0
facebook
facebook
facebook
telegram
Messenger
Messenger
A+
A-
facebook
facebook
facebook
telegram
Messenger
Messenger

مع بداية العهد الجديد في الدولة اللبنانية، كثر الحديث عن نهاية عصر الفساد في الدوائر الرسمية. إلا أن الواقع مغاير تماماً للخطابات الجميلة والرنانة، التي تحمل كل أحلام المواطنين في طياتها. فالفساد في لبنان لم يعد حدثاً استثنائياً أو خرقاً واضحاً للقانون، بل أصبح جزءاً من الحياة اليومية يُمارَس بطرق صغيرة، متكرّرة، وخفية. ما يُسمّى بـ"الرشوة الصغيرة" تحوّل اليوم إلى أداة يستخدمها المواطن لتجاوز التعقيدات الإدارية، وضمان الحصول على حقوقه الأساسية، أو ببساطة لتوفير الوقت والجهد في مؤسسات أثقلها الانهيار وغياب الرقابة. بهذا المعنى، لم يعد الفساد جريمة منفصلة عن المجتمع، بل صار سلوكاً اجتماعياً يتكيّف اللبناني معه كأنه إحدى قواعد اللعبة.

 

تبدأ الظاهرة في أبسط التفاصيل: دفع مبلغ رمزي في الدوائر الرسمية لتسريع معاملة، أو تقديم "شيء بسيط" لموظف ما لتفادي التأخير، أو حتى دفع بدل إضافي لتأمين دور أسرع لدى طبيب أو مختبر. هذه الممارسات لم تعد تُصدم أحداً، بل باتت جزءاً من اللغة اليومية: "بدك تدبّر حالك.. هيك الأمور بتمشي". والمشكلة أن هذا الخطاب يعكس اقتناعاً شعبياً بأن المؤسسات عاجزة، وأن الإجراءات الطبيعية لم تعد تكفي.

 

جزء كبير من هذا التحوّل مرتبط بانهيار الدولة وتراجع الخدمات الأساسية. فعندما يغيب النظام الرقابي تُفتح الأبواب أمام استثمار الوظيفة لتحقيق دخل إضافي. ورغم خطورة هذا المنطق، إلا أن الكثير من الموظفين يبررون ذلك بأنه "ضرورة"، بينما يبرّر المواطن بأنه "حلّ عملي" لتسيير أموره في بلد لم يعد يسير وفق القواعد الطبيعية. وهكذا، تتداخل الحاجة الفردية مع هشاشة النظام، لتنتج شبكة من المصالح المتبادلة يصعب فكّها.

 

لكن الأخطر من الرشوة نفسها هو ما تتركه من أثر نفسي واجتماعي. فاللبناني اليوم يشعر بأنه مجبر على تجاوز القانون لينال حقه، ما يولّد شعوراً دائماً بالظلم واليأس من إمكانية الإصلاح. وفي الوقت نفسه، يبني اعتماداً متزايداً على العلاقات الشخصية والوساطات بدلاً من المؤسسات. فالمعاملة التي تُحلّ عبر "واسطة" تُعتبر نجاحاً، بينما المعاملة التي تسلك طريقها الطبيعي تُعدّ استثناءً.

 

ورغم ذلك، ثمة فئة متنامية من اللبنانيين باتت ترفض هذا الواقع وتسعى لكسره، خصوصاً بين الشباب. فالنشاط الرقمي، والمجموعات الحقوقية، والتغطيات الإعلامية المستقلة تسهم اليوم في فضح هذه الممارسات أكثر من أي وقت مضى. لكن المشكلة في لبنان ليست في كشف الفساد، بل في القدرة على محاسبته. إذ يبقى القضاء مثقلاً بالملفات، والسلطة السياسية متشابكة مع الإدارات، والمواطن ممزّقاً بين الحاجة اليومية والرغبة في التغيير.

 

يبقى السؤال الأساسي: هل يستطيع اللبناني الخروج من دائرة الفساد المعيشي؟ الجواب معقّد. فمن دون إصلاح إداري حقيقي، وتحسين رواتب الموظفين، وتبسيط الإجراءات، وتفعيل الرقابة، سيبقى المواطن أمام خيارين: إما الالتزام بقواعد لا تعمل، أو الانخراط في شبكة فساد تُسهّل حياته على المدى القصير وتدمّر الدولة على المدى الطويل.

 

في النهاية، الرشوة الصغيرة ليست "تفصيلاً" كما يراها البعض، بل مرآة لواقع كبير: بلد يعيش في نظام هشّ، ومواطن يبتكر طرقاً للنجاة، ودولة عاجزة عن فرض القانون. وبين هذا وذاك، يتشكّل نمط معيشي جديد يهدّد فعلياً إمكان قيام دولة عادلة وشفافة.

Advertisement
مواضيع ذات صلة
تابع
Advertisement
Lebanon24
10:00 | 2025-12-14 Lebanon 24 Lebanon 24

أخبارنا عبر بريدك الالكتروني

إشترك

زينة كرم - Zeina Karam