تصفّح بدون إعلانات واقرأ المقالات الحصرية
|
Advertisement

لبنان

حادثة يانوح: هل يُعمَّم نموذج "الجيش أولًا".. أم يبقى استثناءً عابرًا؟

حسين خليفة - Houssein Khalifa

|
Lebanon 24
15-12-2025 | 06:06
A-
A+
Doc-P-1455434-639014009733232601.png
Doc-P-1455434-639014009733232601.png photos 0
facebook
facebook
facebook
telegram
Messenger
Messenger
A+
A-
facebook
facebook
facebook
telegram
Messenger
Messenger

 
قد تكون من المرّات النادرة، إذا لم يكن الوحيدة، أن يُصدِر الجيش الإسرائيلي ما يصفه بـ"الإنذار العاجل" تمهيدًا لقصف مبنى محدّدًا بذريعة أنه يحتوي على "بنية تحتية" تابعة لـ"حزب الله"، ثمّ يصدر بعد ذلك قرارًا بـ"تجميد" الغارة بصورة مؤقتة، لكنّ ذلك ما حصل في بلدة يانوح حيث تعمّدت تل أبيب إبداء "تجاوب" مع الطلب اللبناني بتفتيش المنزل مجدّدًا، ومعالجة الخرق، مع أنّ التكتيك نفسه لم ينفع في محطّات عدّة سابقة.
 
سرعان ما تحوّلت هذه الحادثة التي تتجاوز أبعادها الجانب الأمني بطبيعة الحال، إلى مادة سياسية بامتياز، طُرحت من خلالها أسئلة أعمق من تفاصيل الميدان نفسه. فالتدخّل السريع للجيش اللبناني، وما تبعه من تجميد القصف الإسرائيلي بناءً على طلبه، أعادا فتح النقاش حول دور الدولة في إدارة لحظات التوتر، وحول قدرة المؤسسات الرسمية على الإمساك بزمام المبادرة في واحدة من أكثر الساحات حساسية وتعقيدًا.
 
ولا تكمن أهمية ما جرى فقط في النتيجة المباشرة، أي تفادي ضربة كانت وشيكة، بل في كون الحادثة قدّمت، ولو لمرّة، نموذجًا مختلفًا عمّا اعتاده الجنوب خلال الأشهر الماضية، يقوم على تدخل الجيش كضابط للإيقاع. لكن هل ما حصل في يانوح قابل للتكرار، أم أنّه سيبقى استثناءً فرضته ظروف دقيقة، سرعان ما ستتجاوزها تطوّرات أكبر، في ضوء تداخل المفاوضات السياسية والاستعدادات العسكرية، واختلاط رسائل التهدئة بإشارات التصعيد؟
 
نجاح مشروط ومعادلة دقيقة
 
في المبدأ، يقول العارفون إنّ ما كشفته حادثة يانوح أنّ تدخّل الجيش لم يكن تفصيلًا تقنيًا أو إجراءً روتينيًا، بل نتيجة قرار سياسي-أمني محسوب بدقّة. فالجيش تحرّك ضمن هامش ضيّق، راعى فيه توازنات داخلية معقّدة، وحسابات خارجية لا تقل تعقيدًا، خصوصًا في ما يتعلّق بردّ الفعل الإسرائيلي وحدود تقبّله لأي وساطة ميدانية لبنانية. ولعلّ هذا الهامش أتاح للجيش أن يلعب دور "الضابط المؤقت للاشتباك"، وهو دورٌ بالغ الحساسيّة بلا شكّ.
 
غير أنّ هذا النجاح يبقى مشروطًا بجملة عوامل يصعب ضمان استمرارها. فالتدخّل السريع، والتنسيق الميداني، والقرار السياسي، كلّها عناصر تحتاج إلى توافر متزامن في كل حادثة مشابهة. وأي خلل في أحدها قد يعيد الأمور إلى منطق التصعيد والغارات، من دون أن يكون للجيش هامش كافٍ للتأثير، علمًا أنّ ما فعله الجيش سبق أن فعله في الضاحية الجنوبية عشيّة عيد الأضحى بعد إنذارات مماثلة، لكنّ إسرائيل أصرّت يومها على تنفيذ غاراتها.
 
وإذا كان كثيرون استندوا إلى نموذج يانوح لطلب تعميمه، بحيث تحوّل الدولة اللبنانية هذا التدخّل إلى سياسة ثابتة في إدارة الجنوب، فإنّ نموذج الضاحية في المقابل يثبت أنّ "النوايا الإسرائيلية" تبقى فوق كلّ اعتبار، فتل أبيب أرادت هذه المرّة أن تظهر "منفتحة" على الخيارات الأخرى، لكنها في ظروف أخرى، قد لا تكون بالمرونة نفسها، خصوصًا إذا كان الهدف هو الضغط النفسي على السكان في إطار الحرب النفسية مع "حزب الله" وبيئته الحاضنة.
 
لماذا قد يبقى استثناء؟
 
عمومًا، وعلى الرغم مما أظهرته حادثة يانوح من إمكانات، فإنّ السياق الإقليمي لا يوحي بأن إسرائيل في وارد التعامل مع هذا النموذج كقاعدة. على العكس، تشير المعطيات المتداولة إلى أنّ تل أبيب تواصل استعداداتها لعملية أوسع في لبنان رغم استمرار قنوات التفاوض والوساطات. فإسرائيل، وفق هذه المقاربة، تفصل بوضوح بين المسار السياسي ومسارها العسكري، وتتعامل مع التهدئة كأداة مرحلية لا كخيار استراتيجي طويل الأمد.
 
في هذا السياق، تبدو حادثة يانوح أقرب إلى "إدارة مؤقتة للتصعيد" منها إلى تغيير فعلي في قواعد الاشتباك، وكأنّ تل أبيب أرادت من خلالها توجيه رسالة محدّدة إلى الدولة اللبنانية، ومن خلفها المجتمع الدولي. لكنّ الواقع أنّها حتى لو قبلت بتجميد ضربة هنا أو هناك، إذا اقتضت حساباتها الآنية، غير مستعدّة للتعامل مع تدخل الجيش اللبناني كبديل دائم عن العمل العسكري، ولا كضمانة تمنع الانزلاق لاحقًا.
 
من هنا، يبرز التحدّي الحقيقي وربما الاختبار القاسي، ليس في تكرار سيناريو يانوح، بل في القدرة على حمايته من التحوّل إلى مجرّد استثناء يُستعاد إعلاميًا كلما لزم الأمر، فيما يبقى القرار الفعلي رهينة ميزان القوى الإقليمي، لا منطق الدولة، بل رهينة المزاجية الإسرائيلية، التي كرّستها تل أبيب أساسًا على امتداد الأشهر الماضية، منذ أعطت لنفسها حقّ ما سمّته بـ"حرية الحركة" رغم اتفاق وقف إطلاق النار، الأمر الذي أفرغه عمليًا من مضمونه.
 
باختصار، فتحت حادثة يانوح نافذة صغيرة على إمكانية معالجة التنبيهات الإسرائيلية دبلوماسيًا، لكنها لم تفتح بابًا واسعًا بعد، فالجيش أظهر قدرة على التدخّل حين تتوافر الشروط، لكن بقاء هذا الدور مرهون بسؤال أكبر من حادثة واحدة: هل يُسمح للدولة بأن تكون المرجعية الأمنية الأولى، أم أنّ لبنان يتّجه، رغم المفاوضات، إلى مرحلة تُدار فيها الحدود بمنطق التصعيد المؤجَّل، علمًا أنّ "تعليق" ضربة يانوح لم تترجم "تجميدًا" للتصعيد؟!
Advertisement
مواضيع ذات صلة
تابع
Advertisement

أخبارنا عبر بريدك الالكتروني

إشترك

حسين خليفة - Houssein Khalifa