مع اقتراب موعد الانتخابات النيابية في
لبنان، يتزايد الحديث في الكواليس السياسية عن احتمال تأجيل هذا الاستحقاق، من دون أن يتحوّل هذا الحديث حتى الآن إلى مسار جدّي أو قرار قابل للتنفيذ.
فالتأجيل مطروح كنقاش، لكنه يصطدم بعقبات سياسية داخلية وخارجية تجعل تحقيقه أكثر تعقيدًا مما يبدو عليه.
أولى هذه العقبات تتصل بالدول المعنية بالملف اللبناني، ولا سيما تلك التي تخاصم
حزب الله وتضع الانتخابات في خانة الأدوات السياسية لتحقيق أهداف محددة. هذه الدول كانت تراهن على أن تشكّل الانتخابات المقبلة فرصة لإحداث تغيير نوعي في ميزان القوى داخل المجلس النيابي، سواء عبر الفوز بثلثي المقاعد أو من خلال خرق المقاعد
الشيعية. غير أنّ المعطيات الحالية تشير إلى أنّ هذه الأهداف قد لا تكون مضمونة في ظل الواقع الشعبي القائم، ما يدفع بعض هذه الجهات إلى التفكير في التأجيل كخيار قد يمنحها وقتًا إضافيًا لإعادة ترتيب أوراقها.
من هذا المنطلق، يُنظر إلى التأجيل كوسيلة لتخفيف الحماسة الشعبية، خصوصًا في البيئة الشيعية، وتوفير ظروف سياسية مختلفة قد تنعكس لاحقًا على نتائج الانتخابات. إلا أنّ هذا الطرح لا يزال في إطار التقدير النظري، إذ لا يمكن القول إنّ قرارًا خارجيًا حاسمًا قد اتُخذ بالسير في هذا الاتجاه، ولا سيما أنّ أي خطوة من هذا النوع تحتاج إلى توافقات داخلية لا تبدو متوافرة حتى الآن.
العقبة الأساسية أمام أي تأجيل تتمثّل في موقف
الثنائي الشيعي، وتحديدًا
رئيس مجلس النواب نبيه بري، فالثنائي لن يقبل بتأجيل الانتخابات من دون ثمن سياسي واضح. وبالنسبة لبري، فإنّ أي بحث جدي بالتأجيل يمرّ حتمًا عبر تغيير الحكومة وإعادة النظر بتوازناتها، وهو شرط قد يتقاطع مع موقف رئيس الجمهورية، لكنه يحتاج إلى غطاء داخلي وخارجي واسع.
إضافة إلى ذلك، يرفض
بري من حيث المبدأ أي تأجيل قصير أو تقني لبضعة أشهر، معتبرًا أنّ مثل هذا الطرح لا يحقق أي فائدة سياسية. من وجهة نظره، التأجيل يجب أن يكون لسنتين على الأقل، أو أن يذهب باتجاه تمديد كامل لولاية المجلس النيابي لأربع سنوات، وهو أمر يتطلب قرارًا كبيرًا لا يبدو متوافرًا في الوقت الراهن.
بناءً على ما تقدّم، يمكن القول إنّ ملف تأجيل الانتخابات لم ينضج بعد، ولم يصل إلى مرحلة القرار. فالعوامل التي تدفع نحو طرحه موجودة، لكن الشروط المطلوبة لتمريره غير مكتملة، ما يجعل الانتخابات حتى الآن قائمة في حسابات معظم الأطراف، بانتظار أي تحوّل قد يفرض مسارًا مختلفًا.