أشار المكتب الإعلامي للنائب أديب عبد المسيح إلى أنه "في الشكل: نصّب مجلس الوزراء نفسه " هيئة ناظمة" للأزمة... فرحّلها للأجيال القادمة و لم يصحّحها".
وقال في بيان: "أما في المضمون فيُعدّ مشروع قانون الفجوة المالية من أخطر المشاريع التشريعية المطروحة منذ اندلاع الإنهيار المالي، نظرًا لما يعكسه من مقاربة غير مكتملة لمعالجة الخسائر، تقوم على عناوين ظاهرها حمائي، فيما تفتقر في جوهرها إلى الأسس العلمية والبيانات الدقيقة التي يُفترض أن تُشكّل قاعدة أي تشريع مالي بهذا الحجم والخطورة".
وأضاف: "يستند المشروع إلى الإدعاء بحماية نحو 85% من المودعين عبر ضمان ودائع تصل إلى 100 ألف دولار، إلا أنّ هذه النسبة مبنية على بيانات صادرة عن صندوق النقد الدولي تعود إلى نهاية عام 2022، حين كانت تمثّل الغالبية العددية للحسابات المصرفية، لكنها لم تكن تعكس سوى نسبة محدودة من إجمالي قيمة الودائع. ومنذ ذلك التاريخ، شهد الواقع المصرفي تحوّلات جذرية بفعل السحوبات القسرية، وإقفال الحسابات، والتآكل المستمر في الأرصدة، و آلية صيرفة و تعاميم مصرف لبنان، من دون أن تُعرض أي أرقام مُحدّثة تُظهر التوزيع الفعلي للودائع في المرحلة الراهنة. كما أن مبدأ تمييز الموعدين يعدّ تجاوزاً دستورياً فاضحاً مما يعرّض القانون برمته إلى الطعن به أمام المجلس الدستوري".
وأشار إلى أن "إعادة اعتماد النسب نفسها بعد مرور ثلاث سنوات، من دون نشر جداول شفافة تبيّن توزيع الودائع الحقيقي، وعدد الحسابات، والكلفة الفعلية للحماية، والنسبة الدقيقة للمودعين الذين ستُغطّى ودائعهم بالكامل حتى نهاية الربع الثالث من عام 2025، يُفرغ شعار "حماية 85% من المودعين" من مضمونه، ويحوّله إلى ادعاء غير قابل للتحقق ولا يصلح كأساس تشريعي".
واعتبر أنه "في موازاة ذلك، يطرح المشروع إشكالية جوهرية تتعلّق بتوزيع المسؤوليات عن الخسائر. فالقانون، بصيغته الحالية، يكرّس عمليًا إعفاء الدولة ومصرف لبنان من تحمّل مسؤوليتهما المباشرة عن السياسات المالية والنقدية التي أدّت إلى الانهيار، في ظل غياب أي التزام واضح من الخزينة العامة بالمساهمة في تغطية الخسائر، بما يتعارض مع أبسط مبادئ العدالة والمحاسبة، حيث نتوقع أن نرى أشخاصاً خلف القضبان، لا خلف أقواس التنظير و التسويات. كما يتغاضى هذا القانون عن المساءلة الفعلية للمصارف التي راكمت أرباحًا كبيرة على مدى سنوات و شاركت بسابق إصرار و تصميم في تأمين غطاء مالي تمويلي للهندسات المشبوهة، فأمسوا جزءا لا يتجزأ من منظومة الفساد و سوء الإدارة و الإرتهان للمافيات، مما حمّل المودعين كلفة قرارات لم يكونوا طرفًا فيها، بدل تحميلها للجهات التي اتخذتها واستفادت منها".
وأكد أن "خطورة هذا الخلل تتفاقم عندما تمتدّ تداعيات المشروع إلى أموال النقابات المهنية وصناديقها التقاعدية، وهي أموال خاصة تعود ملكيتها للمنتسبين، جُمعت من اشتراكاتهم وتعويضاتهم وحقوقهم التقاعدية، ومخصّصة حصريًا لتأمين التغطية الصحية والمعاشات التقاعدية والضمانات الاجتماعية. إن إدراج هذه الأموال ضمن آليات شطب الخسائر، أو تحويلها إلى أدوات مالية طويلة الأجل مدعومة بأصول غير واضحة القيمة، يشكّل مساسًا مباشرًا بحقوق مئات آلاف المواطنين، ويهدّد استمرارية أنظمة الحماية الاجتماعية التي تؤدّي دورًا حيويًا في ظل تقصير الدولة عن القيام بواجباتها".
وجاء في البيان أنه "لا يمكن إغفال أنّ الحكومة لم تُنجز التدقيق الشامل في حسابات المصارف و لا التدقيق الجنائي في الوزارات الأساسية و مصرف لبنان قبل طرح هذا المشروع، ما يحرّم المجلس النيابي من قاعدة معلومات دقيقة تسمح بتحديد الحجم الحقيقي للفجوة المالية، وأسبابها الفعلية، وآليات توزيع خسائرها بصورة عادلة. ومن دون هذا التدقيق، يتحوّل أي تشريع إلى أداة لإدارة الانهيار بدل معالجته، وإلى تأجيل للأزمة بدل حلّها".
من هنا، طالب عبد المسيح بـ" ربط هذا القانون بخطة اقتصادية واضحة للفترة نفسها المحددة لإعادة الودائع، حيث إن الأزمة هي بشكل أساسي "سيادية" في السياسة و " سيولة" في المفهوم المالي الإقتصادي. لذا يجب على الحكومة تأمين بسط سلطتها على جميع أراضيها و مرافقها و معابرها لمحاربة إقتصاد الظل و الموازي، و العمل على إعادة هيكلة القطاع العام و الدين العام و تخطيط رفع الناتج المحلي لمعدل لا يقل عن ٦٠ مليار دولار، و محاربة الفساد و مكننة المؤسسات و تنظيم الوزارات على رأسهم الطاقة و الإتصالات و النقل".
وأضاف: "في ما يتعلق بالودائع الكبيرة، لما لا يتم التعاطي مع سندات الإيداع ( و هي أصلا غير مقبولة) كضمان تسليف لاحق لأصحاب هذه الودائع ( collateral ) بدل من دفعهم إلى بيعها للمصرف نفسه أو الأسواق المالية أو حتى مصرف لبنان بأسعار زهيدة لتتحول إلى آلية قضم الودائع و التخلص منها ( extreme hair cut)".
وقال: "غاب عن القانون الربط التشريعي للقوانين الأخرى المعنية بمحاربة الفساد، كقانون الإثراء غير المشروع، قانون إسترداد الأموال المنقولة، و غيره خصوصا قانون ٢/٦٧ المتعلق بتعثر المصارف".
وختم: "من هذا المنطلق، أؤكد رفض أي مقاربة تشريعية تُلقي بكلفة الانهيار على المجتمع، وأدعو إلى إعادة صياغة مشروع متكامل يعالج الفجوة المالية على أسس علمية عادلة، تحفظ الحقوق للجميع و لا تميّز بين مودع كبير و صغير، وتعيد الثقة، وتشكل مدخلًا حقيقيًا للنهوض الاقتصادي، لا غطاءً قانونيًا لانهيار دائم. وعليه، فإن مشروع القانون بصيغته الراهنة لا يمكن أن يمرّ في المجلس النيابي. المطلوب تشريع قائم على أرقام حديثة وشفافة، يحدّد المسؤوليات بوضوح، ويُلزم الدولة والمصرف المركزي والمصارف بالمساهمة العادلة في تحمّل الخسائر، ويحمي أموال المودعين والنقابات والقطاعات المنتجة، بدل تحميلها عبء الانهيار".