فتح اقرار الحكومة مشروع قانون الانتظام المالي واسترداد الودائع (الفجوة المالية ) حملة متجددة على الحكومة، خصوصا وان اقرار المشروع في مجلس الوزراء بأكثرية ١٣ وزيرا من مكونات الحكومة وامتناع تسعة وزراء عن التصويت، الباب واسعا انان انقسامات بدأت طلائعها بالظهور ، من داخل الحكومة وخارجها.
وقال رئيس الحكومة نواف سلام لـ«الأنباء الكويتية»: «إقرار مجلس الوزراء مشروع قانون الفجوة المالية هو مدخل للإنقاذ والاصلاح ومقترن بكل شفافية لاستعادة حقوق المودعين الذين انتظروا سنوات». وأضاف: «
الكرة اليوم في مجلس النواب ونحترم كل الآراء».
وقال سلام: «ننصرف الآن إلى إجراء الانتخابات النيابية في موعدها والحكومة تستعد لها، وهي على جهوزية تامة وستعمل على انجازها، ومجلس الوزراء يقوم بواجباته تجاه الوطن والمواطن في العديد من
القضايا السياسية والديبلوماسية والمعيشية والاجتماعية والصحية والتربوية وكل ما يهم الناس لتأمين سبل عيشهم الكريم».
وكتبت " النهار": المشهد الذي أسفرت عنه
المعارضة الوزارية زائد معارضات خارجية للمشروع رسم علامات شكوك متنامية حول مصير هذا المشروع من جهة والتداعيات التي ولدها مشهد الحكومة المنقسمة بتوازن سلبي واضح من جهة أخرى . ذلك أن الانطباع الثابت الذي ساد غداة جلسة مجلس الوزراء الأخيرة هو ان مرور المشروع في مجلس النواب الذي هو الممر الأخير والحتمي لتشريعه والشروع في تنفيذه صار اشبه بالاستحالة بحيث سيتعرض في أقل الاحتمالات لتعديلات جوهرية تفقده كل الهندسة المالية والمصرفية التي تضمنها وتاليا ستكون له تداعيات سلبية واسعة أيضا على الخارج في حال استطاعت التعديلات ان ترضي الداخل اكثر مما فعلت الحكومة.
كما أن السؤال الأكبر تمثل في الأثر الذي تركه الانقسام حول المشروع داخل الحكومة على الحكومة وهل ستكون له امتدادات على ملفات أخرى تحمل طابعا حيويا للغاية.
المفارقة اللافتة في صورة ردود الفعل على إقرار المشروع تمثلت في غلبة الردود السلبية داخليا في وقت بدأت طلائع الترحيب به خارجيا. وكانت باريس أولى العواصم الغربية التي سارعت إلى الترحيب بالمشروع مساء الجمعة ومن ثم أعاد امس
وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو الترحيب على موقع الوزارة عبر "اكس"، بإقرار الحكومة
اللبنانية في جلستها الأخيرة مشروع قانون الانتظام المالي المعروف بمشروع "الفجوة المالية".
فوزير العدل عادل نصار أكد أنّ "كل وزير يمارس دوره حسب قناعته بناءً على الملف أمامه"، مشيرًا إلى أنّه "كان يفضل أن يأخذ هذا الملف وقتًا أكثر للدراسة، لأن فيه غموضا، وهناك أمور تقنية من الواجب دراستها تتعلق بتطبيق القوانين، إضافةً إلى وجوب تدقيق جنائي موسّع، ليس فقط على المصارف إنما أيضًا على
مصرف لبنان قبل وبعد الأزمة، وكيفية صرف الدولة للأموال، وعلى من تقع المسؤولية وهل الصرف كان وفقًا للأصول أم لا".
وأوضح أنّ "السؤال الجوهري المطروح هو مصدر التمويل لتنفيذ هذا القانون، بالتالي لم تكن هناك صورة كاملة ودقيقة لمصادر التمويل، وأُقرّ القانون بسرعة لأسباب سياسية، ولم نستطع معرفة القدرة على تمويل هذه الخطة، والهاجس لدي كان التأكد من أن وضع المودع سيكون أفضل مما هو عليه اليوم".
وكتبت" الديار":مع إحالة مشروع قانون الفجوة المالية إلى المجلس النيابي، تنتقل ازمة الفجوة، إلى حلبة الصراع السياسي المفتوح، حيث تختلط الحسابات المصرفية بالشعارات والهواجس الشعبوية ، حيث بات مصير القانون رهينة موازين القوى لا منطق الإصلاح، في خطوة وإن بدت شكلياً تقدّماً على طريق المعالجة، الا انها فتحت الباب واسعاً أمام أسئلة حاسمة: هل نحن أمام بداية تعافٍ فعلي، أم أمام تقنينٍ منظّم للخسائر وترحيلٍ مقونن للأزمة، على ما يجمع عليه الخبراء الاقتصاديون.
مصدر وزاري واكب الاتصالات الجانبية التي رافقت اقرار المشروع في الحكومة، كشف ان الاخيرة سعت إلى توجيه رسالة مزدوجة: للخارج، تؤكد التزامها بخارطة صندوق النقد والاعتراف بالخسائر بعد سنوات من الإنكار، وللداخل، تنقل «كرة النار» إلى البرلمان، متخففةً من عبء الضغوط وفي مقدمتها تلك التي قادها خلال الايام الاخيرة الموفد الرئاسي الفرنسي جان ايف لودريان.
وحول المسار الذي سيسلكه القانون في البرلمان، تحدث المصدر، عن ثلاثة احتمالات: إقراره معدلا بما يعزّز حماية الودائع ويعيد بعض الثقة، أو تركه كما هو مع بعض التعديلات الشكلية وهو امر مستبعد، اما الخيار الثالث، وهو المرجح حاليا، فيتمثل في المماطلة ببته تحت حجة المناقشة والدرس، لحين احتواء أي انفجار قد يشهده الشارع.
وكتبت" الشرق الاوسط": وفق رصد أولي يتلقى الكثير من الخبراء ومديري البنوك والصحافيين الاقتصاديين، سيلاً من الاتصالات من مودعين حائرين في استنباط مصير مدخراتهم طبقاً لمندرجات المشروع، وأوجه الاختلاف مع الآليات السارية بموجب تعاميم مصرف
لبنان، ومدى جدية الضمانات للسندات المؤجلة، وسط تأكيد الالتزام بمنع التصرف باحتياط الذهب بأي وسيلة، طبقاً للقانون رقم 42 الصادر في عام 1986.
وبرز خصوصاً ضمن الأسئلة، جانب من معاناة أصحاب الودائع غير الكبيرة؛ إذ ينص المشروع على تمكينهم من استرداد مائة ألف دولار بالتقسيط لمدة أربع سنوات، ثم يضطرون للانتظار بعدها استحقاق السند الموعود عقب 10 سنوات. وبين هؤلاء، نماذج لأفراد مسنّين كانوا ادخروا في المصارف تعويضات نهاية الخدمة في القطاعين العام والخاص على السواء، وتتعدى حساباتهم مبلغ المائة ألف دولار، تصل إلى مئتين أو ثلاثة، وكانت تشكل مصدر دخل معيشي من خلال العوائد الشهرية بالحدود الدنيا.
وتكتسب هذه التساؤلات أحقية قانونية وإجرائية في ضوء الغموض الذي يكتنف بعض المحاور الأساسية في المشروع، وفق مسؤول مالي معني، ولا سيما ما يخص دور الدولة وحجم مساهمتها في معالجة ميزانية «البنك المركزي»، والذي يشكل الركيزة الأساسية لتحديد مصير توظيفات البنوك التي تتعدى 80 مليار دولار لديه، توطئة لطمأنة المودعين بفاعلية الاقتراحات الواردة في المشروع.
ويشكل غياب «الداتا» الموثقة لحجم الخسائر وإجمالي المستحقات القابلة للسداد سنوياً، كحصص شهرية ونسبة 2 في المائة سنوياً من الودائع المتوسطة والكبيرة لاحقاً، بمنزلة الفجوات الرديفة للفجوة الأساسية البالغة نحو 73 مليار دولار، والقابلة بدورها لإعادة هيكلة رقمية بموجب تنظيف الميزانيات في القطاع المالي (مصرف لبنان والمصارف)، ما يفرض تلقائياً، حسب المسؤول المالي، التريث في تحديد كامل آليات السداد لضرورة مطابقتها مع المعطيات الإحصائية، ثم مع قياسات التدفقات النقدية التي يقتضي تنسيقها مع مؤسسات مالية دولية، وفي مقدمها صندوق النقد الدولي.
وفي نطاق الضمانة للسندات المؤجلة المزمع إصدارها من قبل البنك المركزي، لاحظ المسؤول المالي «أن التأكيد الحكومي على
التزام المانع التشريعي لمنع التصرف باحتياط الذهب، البالغ نحو 9.2 مليون أونصة، والذي تعدت قيمته السوقية حالياً مستوى 40 مليار دولار، يضع المسألة بكاملها في مرمى انعدام الثقة بالسلطات أو تآكلها المزمن على أقل تقدير».
وتشير التجارب على مدار سنوات الأزمة إلى عجوزات السلطات المتكررة في التزام وعودها الإصلاحية وإجراء عمليات التدقيق المحاسبي والجنائي في مكامن الهدر والفساد، بل هي بادرت، عبر حكومة الرئيس حسان دياب في 2020، إلى إشهار تعليق كامل مستحقات الديون السيادية الدولية (اليوروبوندز)، لتنفق بعدها ما يزيد على 11 مليار دولار على دعم غير منضبط للسلع الأساسية وغير الأساسية ومصروفات متفلتة أفضت إلى تبديد أكثر من 20 مليار دولار من احتياطيات البنك المركزي.
وكان
رئيس حزب "القوّات اللبنانيّة" سمير جعجع قال : نحن ضد القانون لسبب بسيط جدًا. هذا القانون لا يعيد الودائع إلى المودعين، ولا يحدد المسؤوليات والموجودات". قيل إنّ من يملك وديعة بقيمة مئة ألف دولار أو أقل ستُعاد له وديعته خلال أربع سنوات، موزّعة بين مصرف لبنان والمصارف، من دون تحديد ما تملكه المصارف فعليًا، ولا ما يملكه المصرف المركزي. فهل يُعقل أن يوافق أحد على قانون فجوة مالية لا يتضمّن رقمًا واحدًا؟ لا أرقام تحدّد حجم الفجوة ولا كيفية معالجتها، وكأنّ الأمور متروكة للقدر، وكأنّ أحدًا قرّر أن يرفع هذا العبء عن كاهله، فيضعه على ورقة ويرميها على مجلس النواب ليتصرّف بها".
ولفت جعجع إلى أنهم "يقولون إنّ الودائع التي تقلّ عن مئة ألف دولار تشكّل خمسةً وثمانين في المئة من مجموع الودائع، وحتى هذه الودائع لا نعرف بدقّة من أين ستُعاد، وقد وُضعت في القانون على أساس افتراضي. فهل يُعقل أن يكون قانون فجوة مالية وقانون انتظام مالي من دون أرقام، وكلّه مبنيّ على افتراضات وتنظير؟ لا يمكن لأربعة أو خمسة أشخاص أن يجلسوا في غرفة ويقوموا بتمرين ذهني يخرجون منه بقانون فجوة مالية، فهذا النوع من القوانين يحتاج إلى أرقام دقيقة وواضحة، في حين أنّ القانون المطروح يخلو منها تمامًا".