يدخل المشهد الإقليمي مرحلة شديدة الحساسية، حيث تتقاطع الإشارات الأمنية مع الضغوط السياسية، ويتقدّم عامل التوقيت كعنصر حاسم في تحديد المسارات المقبلة. وفي هذا السياق، فإنّ ما يتسرّب من الكواليس بات يتجاوز الإطار المعتاد للرسائل، ويعكس انتقالاً إلى مناخ شدّ وجذب مفتوح، وسط سعي واضح لإعادة رسم قواعد الاشتباك سياسياً وأمنياً في آن واحد.
وفي امتداد هذا المشهد، تفيد مصادر مطّلعة بأن "
حزب الله" تلقّى إشارات أمنية تتحدّث عن احتمالات تصعيد إسرائيلي مزدوج يطال "الحزب" من جهة و"
إيران" من جهة ثانية. ووفق المصادر، فإنّ هذا التطوّر يتزامن مع حركة وساطة إقليمية تقودها مصر، عبر رسالة تحمل دعوة إلى مقاربة أكثر مرونة في ملف حصر السلاح شمال الليطاني، بما يفتح نافذة قبل انزلاق الأمور إلى مسارات أكثر خطورة.
وعليه، تتّجه الأنظار اليوم نحو خطاب
الأمين العام للحزب الشيخ نعيم قاسم، باعتباره مؤشراً على كيفية تلقّي هذه الرسائل الإقليمية والتعامل معها، بحيث ستُقرأ طريقة إدارة الخطاب ونبرته وحدود التصعيد أو التهدئة بدقة من قبل العواصم المعنية، خصوصاً في ظل ضغوط متراكمة تهدف إلى دفع "الحزب" نحو إعادة تموضع سياسي مختلف.
في المقابل، يبرز موقف رئاسة الجمهورية بوصفه محاولة لإدارة التوازن الداخلي تحت سقف حماية الدولة من تداعيات أي مواجهة واسعة. ومن هنا، يُقرأ كلام الرئيس جوزاف عون عن إبعاد شبح الحرب، وفق دوائر مقرّبة، في إطار تحصين الكيان اللبناني ككل، مع إدراك واقعي بأن ساحات النفوذ تبقى عرضة لسيناريوهات مختلفة. وفي هذا السياق، يعكس هذا التمييز إدراكاً رسمياً لطبيعة الضغوط
الإسرائيلية، خصوصاً بعد تهديدات سابقة طالت المطار والبنى التحتية، في حال تعثّر تنفيذ ما تعتبره "تل أبيب" التزامات الدولة في ملف السلاح.
في المقابل، يراهن العدو
الإسرائيلي حالياً على المرحلة الثانية شمال الليطاني، باعتبارها اختباراً لقدرة
الدولة على الانتقال من التعهّد إلى التنفيذ، الامر الذي من شأنه أن يضيّق هامش المناورة، ويُبقي احتمالات التصعيد المحدود أو الاغتيالات النوعية ضمن سلّة الخيارات، فيما يبقى سيناريو الحرب الشاملة مؤجلاً بفعل استمرار التعويل على المسار السياسي الداخلي.
إقليمياً، يكتسب اللقاء المرتقب بين الرئيس الأميركي
دونالد ترامب ورئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو أهمية استثنائية، مع ترقّب واسع لنتائجه وانعكاساته على كلّ من
لبنان وغزّة وسوريا وإيران. وفي هذا المناخ، تشير المصادر الى أنّ ثمة نصائح عربية وصلت إلى "الحزب" بضرورة خفض حدّة المواقف قبل هذا الاجتماع، في محاولة لتقليص ذرائع التصعيد وفتح هامش أمام الدبلوماسية.
في المحصلة، بات من الواضح أن المنطقة تقف على مفترق بالغ الدقة، فالخيارات المطروحة تتأرجح بين تصعيد مضبوط ورسائل أمنية قاسية، وبين محاولة أخيرة لالتقاط تسوية سياسية مؤقتة. لكنّ السؤال المركزي يبقى مرتبطاً بقدرة واشنطن على ضبط اندفاعة "تل أبيب"، أو ما إذا كانت المعادلة قد دخلت مرحلة تُدار فيها المواجهات على وقع ضوء أخضر مفتوح. ولعلّ المرحلة المقبلة ستُحدَّد وفق ما سيصدر من مواقف وما سيُتَّخذ من خطوات عملية، بين تثبيت مسار الضغط السياسي أو الانزلاق إلى مستوى جديد من المواجهة الميدانية.