Advertisement

لبنان

حين يصبح الانتحار شجاعة.. لو عرفت نورهان كمّ الحبّ والـ"likes"!

Lebanon 24
31-08-2016 | 23:33
A-
A+
Doc-P-198280-6367054247973002551280x960.jpg
Doc-P-198280-6367054247973002551280x960.jpg photos 0
facebook
facebook
facebook
telegram
Messenger
Messenger
A+
A-
facebook
facebook
facebook
telegram
Messenger
Messenger
لا أعرف نورهان، وأعتبر أن الانتحار مسألة شخصية فلا أسمح لنفسي بأن أكتب عن نورهان وحيثيات انتحارها. غير أنني قرأت ما كتبه أصدقاؤها على حائطها الفايسبوكي ناشرين صورها وخصوصياتها، بحسب ما ذكرت ملاك مكي في صحيفة "السفير". يعلّق أحدهم "عشقت موسيقى الانتحار، وتمرّدت على المجتمع، كانت مثالاً للمرأة المنفتحة التي تأبى الخضوع لمجتمع شرقي...". وتخطّ أخرى "نورهان الحلوة التي انقضت على الحياة من شرفة مرتفعة ولم تأبه للدرابزين الحديدي الذي يسجن حياتنا، جمعت ما في قلوبنا من أسى ورحلت"؛ فيما يردّد آخرون بأن "الانتحار خيار شجاع" و "انتحارك علامة فارقة. شجاعتك على مفارقة الحياة التي نتمسك بها جميعاً وكأنها مغارة كنوز"، وابكوا جميعاً الآن والعنوا، لن تسمع أحداً وستكمل كإلهة وحيدة لم تلد، لكنها ستولد في كل مرة نتذكرها على أنغام الجاز الحزين ونبتسم".. و"المجد؛ كل المجد للعابرين، الماضين على رؤوس الأصابع" و"شجاعة أنت بسقطتك الأخيرة" و"Freedom fighter". أن يقتنع بعض الفلاسفة والمثقفين والأدباء بأن الانتحار شجاعة، فهذا رأي ورؤية في فلسفة الموت والحياة. لكن أن تتردد تلك المقولة على ألسن شباب وشابات في مقتبل العمر في رثاء صديقتهم، فهذا مؤشر خطير على الحياة التي يعيشها هؤلاء وأوضاعهم النفسية والحياتية. يكتب أحدهم "لم يعُد الموت مرعباً، لأن هذه الحياة أشدّ رعباً". هل الحياة أصبحت مرعبة لهذه الدرجة؟ وهل الحياة أصبحت جبانة لهذه الدرجة ليرى هؤلاء في الانتحار بطولة وشجاعة؟ وهل الحياة أصبحت "درابزينًا" وسياجًا يجب الانقضاض عليها؟ يحلّل البعض فيجد في العوامل الاقتصادية والسياسية التي يعيشها البلد دافعاً للانتحار. ويرى البعض الآخر أن نورهان عبّرت عن الكثير من الأوجاع التي نعانيها يوميًا. أعرف أن أوضاع البلاد مزرية في ميادين عدة من السياسة والاقتصاد والاجتماع وأحوال الطرق والبيئة والتعليم وفرص العمل والخطط والاستراتيجيات وأن الأمل محدود، غير أن ذلك لا يفسّر بشكل كامل وعميق كيف لهؤلاء الشباب والشابات أن يجدوا في الانتحار قوة وشجاعة وفي الحياة رعبًا وسجنًا. تؤثر العوامل الاقتصادية والاجتماعية والسياسية على أحوال البلاد ومواطنيها، وتدفع بهم إلى اليأس والتعب لكنها لا تشكل وحدها سبباً كافياً ومنطقياً في أن يعتبر شباب في مقتبل العمر الحياة جبناً ورعباً. ربّما علينا أن نفكّر أكثر في التغيّرات التي طالت فكرة الحياة والموت بحد ذاتها عند هؤلاء، في ظل الحروب والموت الرخيص والمجاني، في ظل انعدام الثقافة والرؤية والهدف، في ظل عوالم افتراضية تسمح بأن نكتب على حيطان مَن ماتوا ونخاطبهم، وتسمح لنا بأن نغيب عن أصدقائنا وأحبابنا مكتفين بتعليقات وبـ "لايكات" على صفحاتهم. فلو لمست نورهان هذا الكمّ من الحب الذي يظهره أصدقاؤها، ولو زاروها، وعانقوها، وحضّروا لها قطعاً من الحلوى، لربّما تردّدت في أن تغادرهم، وأن تتركهم. يجعل العالم الافتراضي من أبسط الأمور بطولة واحتفالاً وتصفيقاً وشهرة: حين نحتفل بأعياد ميلادنا، وحين نتزوّج، وحين نأكل، وحين نتنزه ونتشمّس، وحين نكتب تعليقات بسيطة. لا أعرف إن كان ذلك يساهم، أيضاً، في أن نجعل حتى من انتحارنا بطولة وتمرداً وشجاعة، من دون أن نتخذ أفكارًا تعطينا الأمل وحب التطور والإقدام في الحياة، ونفهم من خلالها معاني التمرد والشجاعة، ونحبّ عبرها الحياة وشوارعنا وظلالنا وروائحنا ومغامراتنا وتحدياتنا وفشلنا ومصاعبنا ونجاحاتنا. نكتب عن نورهان، نعرض صورها، تصبح خبرًا معنوناً "شابة ثائرة أصبحت بلا حراك"، وشخصية مشهورة من دون أن نخاف على عقول المراهقين والمراهقات الذين ما زالوا يشكلون وعيهم في الحياة ويرغبون في الظهور وتسجيل المواقف، ونقدّم لهم الانتحار كفرصة للشهرة والفخر. أن تنتحر صبية، فهذا أمر حزين ومؤسف، وأن يعتبر كثيرون من أصدقائها أن انتحارها شجاعة، فهذا أمر مقلق ومخيف. (ملاك مكي - السفير)
Advertisement
مواضيع ذات صلة
تابع
Advertisement

أخبارنا عبر بريدك الالكتروني

إشترك