فيما ترتفع كلّ أنواع الشعارات الإنتخابية في شوارع لبنان وزواياه كافة، يردّ بعض اللبنانيين على مواقع التواصل الإجتماعي بأغان وتعليقات ومقاطع فيديو هدفها حضّ الناخبين على عدم بيع أصواتهم في الاستحقاق النيابي المقبل. بحسابات بسيطة، يخلص هؤلاء إلى أنّ السياسيّ ينوي شراء المواطن بسعر يقلّ عن سعر "منقوشة زعتر بلا خضرا" أو حتى سعر حمار، وقد بلغ في أيامنا هذه 800 دولار!
المضحك المبكي أنّ تلك الحسابات صائبة. وأن تلك الشعارات زائفة....وأنّ الناخب اللبناني يعرف ذلك، وكذلك السياسي!
إنها حفلة صاخبة إذاً حيث أنّ أحداً لا يسمع الآخر. على الأرجح، سوف تنتهي بالكثير من الفوضى، وربما الخراب، أو الندم ومحاولة "عضّ الأكواع".
والحال ان الذنب لا يُمكن أن يُلقى كاملاً على كاهل الناخب "التاجر" أو الصامت أو السلبي أو المستسلم أو الخائف أو الضرير البصيرة، فهو في نهاية المطاف قد أصبح كذلك نتيجة سياسة ممنهجة اتبعها أصحاب الشعارات وصولاً إلى التحكم بعقله عبر الترهيب أو الترغيب، أو حتى الاستيلاء على ذاك العقل كاملاً. ومع هذا، فإنه يصبح "متوّرطاً ومذنباً" إذا ما استمرّ على حاله من دون أي تفكير بثورة أو بانقلاب!
وما يطلبه المواطن اللبناني، كلّ مواطن لبناني، من المرشحين إلى "وظيفة" نائب في البرلمان الذين يرددون خطابات "مفخمّة" ويطلقون وعود "مضخمّة" ويرسمون أوطاناً بريشة الوهم لا الحلم، ليس كثيراً!
ما يطلبه المواطن اللبناني ليس كثيراً. لكنه ثمين وأساسي وجوهريّ.
ويستطيع هذا المواطن أن يختصر كلّ المطالب بمطلب واحد: معاملته كإنسان! ففي لبنان، لم يعد للفرد أي كرامة، ولا حقوق ولا قيمة مضافة. وعندما تعامل الدولة مواطنيها من منطق إنسانيّ، فهي تلقائياً ستقوم بواجباتها وتكون الحضن الراعي والحاضن.
ويستطيع المواطن اللبناني أيضاً أن يختصر كلّ المطالب بمطلب واحد آخر: المطالبة بالتعرّف إلى "الدولة"! دولة لا تكون شماعة او قميص عثمان مثلما يحصل راهناً! دولة نعرف هويتها ومن يمثلها ومن تمثل، لا دولة ساعة يريد البعض ومتهمة ساعة يريد هذا البعض أيضاً!
ويريد الناخب اللبناني أن تكون برامج المرشحين والأحزاب السياسية قابلة للتحقق وواقعية، وليس Paroles paroles. أما وإن كان لدى أحدهم خطّة وبرنامج مستوحى من "الطراز" السويدي مثلاً، فلا بأس بتبنيه والوعد بتحقيقه شرط أن يقسم اليمين على أنه سيحتفظ بذاكرته بعد أربع سنوات من الآن حتى إذا ما أراد الناخب محاسبته في حال نكث بالوعد، سيكون حاضراً وجاهزاً!
فعلاً، ومن دون مزح...لا يريد الناخب اللبناني الكثير!
يريد أن يحيا...هو الذي يرى نفسه مشروع موت حتميّا.
يريد أن يعيش بلا حروب... لا داخلية ولا خارجية.
يريد أن يسبح في بحر غير مسلوب...في بحر لم يستحل سمّاً مميتا بسبب النفايات.
يريد ألا يموت على باب مستشفى بسبب فاتورتها وشروطها، بل أن يحصل متى دخلها على رعاية صحية واستشفاء غير استنسابي.
يريد ألا يأكل الأوساخ لأن ثمة من يتاجر بالأطعمة الفاسدة.
يريد أن تكون المدارس العامة قوية كالخاصة تماماً.
يريد أن يقود سيارته على طرقات خالية من الازدحامات المرورية، بل مما بات يعرف لبنانياً بـ "جهنم الحمرا".
يريد ألا يمضي أيامه بقلق من المجهول وخوف من الحاضر وندم على ماض لم يتجرأ فيه على ركوب طائرة الهجرة.
يريد الكهرباء والمياه والاتصالات والانترنت. "عيب نحكي بهالامور بقى".
يريد قضاء قوياً وعادلاً ومستقلاً.
الأهم، يريد نظاماً سياسياً قائما فعلاً على مبدأ فصل السلطات، فتكون موالاة وتكون معارضة.
يريد نواباً، عندما يسألهم أن يعرّفوا عن أنفسهم، لا يجيبون:"مش عارف حالك مع مين عم تحكي"! بل يكونون مدركين أنهم ليسوا إلا موظفين لدى شعب منحهم ثقة. والثقة غالية!